أحاديث laquo;محدودة التداولraquo; عن حكومة من صقور حلفاء سورية

الحريري التقى ساركوزي وlaquo;المحكمةraquo; الدولية ثالثهما وميقاتي يعمل لمبادلة الاستقرار بـ laquo;شراء الوقتraquo;

بيروت ـ وسام أبوحرفوش

لا تقل التطورات في لبنان اهمية عن تلك المتسارعة في سورية ومصر واليمن. فبيروت اسيرة الصراع الصاخب منذ زمن تشهد منازلات قاسية لكن بـ laquo;كواتم صوتraquo;، وهي مقبلة على محطات ربما تكون دراماتيكية بعدما تحول 30 الجاري laquo;اسماً حركياًraquo; لاستحقاق قد يفتح البلاد على المجهول.
فبعد الاربعاء المقبل لن يكون كما قبله، بعدما وضع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي ملف تمويل المحكمة الدولية على طاولة مجلس الوزراء، وسط اصرار laquo;حزب اللهraquo; وحلفائه على عدم التمويل، وتمسك ميقاتي ومعه رئيس الجمهورية ميشال سليمان ووزراء الحزب التقدمي الاشتراكي بزعامة وليد جنبلاط بضرورة امرار التمويل.
ولم تكن مصادفة عشية هذا الاستحقاق الصعب انه في اللحظة التي كان ميقاتي laquo;المحرجraquo; منهمكاً في التحضير لاطلالة مسائية عبر برنامج laquo;كلام الناسraquo; من على شاشة laquo;L.B.Craquo;، أطلّ رئيس الحكومة السابق سعد الحريري من الاليزيه خلال لقاء مع الرئيس نيكولا ساركوزي تناول المحكمة الدولية وقضايا اخرى.
ساركوزي، وعلى غرار الرئيس الاميركي باراك اوباما، كان بعث اول من امس برسالة الى نظيره اللبناني ميشال سليمان حضه فيها على ضرورة وفاء لبنان بالتزاماته في تمويل المحكمة الدولية، بالتزامن مع تلويح مبطن لرئيس المحكمة ديفيد باراغوانث ومن بيروت بعقوبات عن مجلس الامن في حال عدم التمويل.
الرئيس ميقاتي، الذي فتح خطوط الاتصالات على مصرعيها في الداخل ومع الخارج منذ لحظة تحديد 30 الجاري لبت موضوع التمويل، قرأ تلك الرسائل بـ laquo;تمعنraquo;، وهو الذي كان يتلقى تقارير عن laquo;الحشود الهائلةraquo; التي ستلبي نداء laquo;تيار المستقبلraquo; بزعامة الحريري للمشاركة في مهرجان laquo;من اجل المحكمةraquo; يقام بعد غد الاحد في مسقطه في طرابلس، شمال لبنان.
رئيس الحكومة يفرك يديه ملياً بعدما ضاق عليه فكا laquo;الكماشةraquo; ... فما هي الخيارات المتاحة امامه في ظل التوازنات داخل الحكومة، التي تجعل من laquo;حزب اللهraquo; ممسكاً بقرارها في نهاية المطاف؟
الاستقالة واردة والاعتكاف غير مستبعد وامكان ابتكار مخرج ما مسألة ممكنة، هذه هي الحصيلة غير الحاسمة مع العد التنازلي للساعة صفر في الجلسة المقررة لمجلس الوزراء يوم الاربعاء المقبل.
اوساط واسعة الاطلاع قالت لـ laquo;الرايraquo; ان الرئيس ميقاتي ينتظر اشارة تفك لغز الصمت السوري حيال مسألة التمويل. فلدمشق كتلة من ستة وزراء في الحكومة اللبنانية يمكنها ترجيح خيار التمويل او عدمه في ظل وجود 12 وزيراً ضد التمويل (حزب الله، امل، التيار الوطني الحر) و12 وزيراً مع التمويل (رئيسا الجمهورية والحكومة وجنبلاط).
وتنشط laquo;التحريات السياسيةraquo; لمعرفة حقيقة الموقف السوري، الذي كان يبدي ميلاً لتمويل المحكمة حفاظاً على حكومة ميقاتي، قبل ان تلتزم دمشق الصمت الذي يعكس تمهلاً، خصوصاً في ضوء كلام عن ان دمشق ربما لن تكون مستعدة لمعاكسة laquo;حزب اللهraquo; وايران في الوقت الذي يشتد الحصار العربي عليها، ولن تمنح التمويل جائزة ترضية لخصومها.
غير ان هذه القراءة لتبدل المزاج السوري تدفع الاوساط الواسعة الاطلاع الى السؤال عن مدى تمسك دمشق بحكومة ميقاتي، التي لطالما اعتبرتها حليفة ... واذا كان من السابق لأوانه الجزم في وجود اتجاه يعتبر ان الحكومة laquo;انتهت صلاحيتهاraquo; على وقع الموقفين العربي والدولي من نظام الرئيس بشار الاسد، فان اشارات laquo;محدودة التداولraquo; توحي بان وجود laquo;حكومة متشددةraquo; من حلفاء النظام السوري قد يصبح خياراً وارداً.
ومع استبعاد وصول الصراع الى هذا المستوى الانعطافي في اللحظة الراهنة، فان الاوساط الواسعة الاطلاع لا تخفي امكان التوصل الى مخرج من اثنين، يتم التداول بهما على نطاق واسع هما:
* ان laquo;حزب اللهraquo; الذي سد كل المنافذ في وجه التمويل، في اطار رد غير مباشر على اتهام واشنطن والرياض لطهران بالتورط في محاولة اغتيال السفير السعودي في واشنطن، قد يعمد الى المفاضلة بين تمويل المحكمة وسقوط الحكومة، بادارة ظهره لمخرج ما للتمويل يتم بصيغة لا تحرجه او تجعله في صورة المهزوم.
* ان الرئيس ميقاتي يراهن على امكان laquo;شراء الوقتraquo; من المجتمع الدولي بتأجيل التمويل حتى نهاية السنة لقاء الاستمرار في حفظ الاستقرار في لبنان، وهو الامر الذي يوليه المجتمع الدولي اهمية فائقة في ظل الصراع اللاهب في سورية، وتحذيره الدائم من انزلاقها الى حرب أهلية.
وكان عنوان المحكمة حضر في الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء اول من امس حيث بادر عدد من الوزراء الى سؤال ميقاتي عن صحة التقارير التي اشارت الى امكان تقديم استقالته في حال سقوط بند تمويل المحكمة بالتصويت في مجلس الوزراء، فاجاب: laquo;انا وضعت بند التمويل على (جدول اعمال) أول جلسة لمجلس الوزراء بعد عودتي من الفاتيكان (يزورها في 28 الجاري)، وأتوقع ان تتم مناقشته وعلى كل فريق ان يتحمل مسؤوليته تجاه هذا الموضوعraquo;.
وبعد المعلومات التي نقلت عن احد وزراء laquo;جبهة النضال الوطنيraquo; التي يترأسها النائب وليد جنبلاط ان ميقاتي حدد جلسة 30 نوفمبر laquo;حداً فاصلا لتمويل المحكمة ولا خيار أمامه اذا لم يتم اقرار التمويل سوى الاستقالةraquo;، معلناً laquo;سواء استقال الرئيس ميقاتي ام لم يستقل، فان ورزاء جبهة النضال الوطني (عددهم اربعة) سيستقيلون من الحكومة اذا لم تموَّل المحكمةraquo;، أعلن احد هؤلاء الوزراء وائل ابو فاعور laquo;ان من المبكر الجزم بشأن موقف وزراء الجبهة من الاستقالة من الحكومة في حال لم يتم تمويل المحكمة الدوليةraquo;، مؤكدا ان الجبهة لم تحسم بعد موقفها في هذا المجال.
اما النائب أكرم شهيب (من كتلة جنبلاط) فاكد laquo;اننا لن نستقيل من الحكومة لاننا قلنا ان أي حكومة أفضل من لا حكومة ونحن لا يمكننا الدخول في المجهول اذا (طارت) الحكومة في مكان ماraquo;، موضحاً laquo;ان المحكمة الدولية هي حجر أساس للحد من مسلسل الاغتيالاتraquo;، ومشيراً الى ان laquo;التصويت على المحكمة هو تصويت على موقع البلد والحكومة، لان لا مراعاة في المجتمع الدولي في هذا الاطار وانما عقوباتraquo;.
ولم تغب المحكمة، وان في شكل غير مباشر، عن كلمة رئيس الحكومة خلال افتتاحه المؤتمر المصرفي العربي السنوي لسنة 2011 اذ اعلن laquo;ان الحكومة اللبنانية تكرّر تأكيدها ان لبنان الذي طالما قام بتطبيق كل القرارات الدولية واحترم تعهداته المالية، سيستمر في هذا النهج بما يؤمن مصلحته الوطنيةraquo;، وقال: laquo;نعلّق أهمية كبيرة على دعم أشقائنا العرب وأصدقائنا الدوليين، ونؤكد مجدداً عملنا على مواصلة تنفيذ القرار 1701 لحماية لبنان من أي عدوان والحرص على دور laquo;يونيفيلraquo; في حماية أمن الجنوب وادانة الاعتداءات الاسرائيلية ، كما نسعى لترسيخ حدودنا البحرية للافادة من ثروتنا النفطيةraquo;.
في هذه الاثناء، واصل رئيس المحكمة الدولية ديفيد باراغوانث زيارته لبيروت حيث التقى امس وزير العدل شكيب قرطباوي والنائب العام التمييزي القاضي سعيد ميرزا، وسط تأكيدات بانه يحمل تحذيراً من ان عدم ايفاء لبنان بالتزاماته سيعني احالة الملف على مجلس الأمن، فيما كان لافتاً ان المحكمة اعلنت عبر صفحتها على موقع التواصُل الاجتماعي laquo;تويترraquo; انَّ رئيسها laquo;لم يناقش اطلاقاً مسألة اتخاذ مجلس الأمن اجراءات ضد لبنان، بعكس تقارير في وسائل الاعلامraquo;، مضيفة ان laquo;هذا الموضوع خارج نطاق اختصاصات المحكمةraquo;.
وكان لافتاً ان باراغوانث التقى ايضاً السفير البريطاني في بيروت توم فليتشر الذي اشار بعد الاجتماع الى laquo;مدى خطورة فكرة ان يبقى أولئك الذين يقومون باغتيال قادة لبنانيين بمنأى عن العدالةraquo;، مضيفاً: laquo;لقد شجعنا التزام القادة اللبنانيين بانّ لبنان سيفي بالتزاماته الدولية. فان هذا يصب - أولاً وأخيراً - في مصلحة لبنانraquo;.