صالح القلاب
ليست مجرد مصادفة أن ينوب كرديان، هما الرئيس جلال الطالباني ووزير الخارجية هوشيار زيباري، عن رئيس الوزراء نوري المالكي في نقل وجهة نظر إيران لا العراق في مواقف وقرارات الجامعة العربية المتلاحقة المتعلقة بالضغط على نظام الرئيس بشار الأسد وعائلته، لإرغامه على إيقاف هذه المذابح، التي بقي يمارسها ضد الشعب السوري على مدى الأشهر الثمانية الماضية.
والمؤكد أن المقصود من وضع الأكراد، على هذا النحو، في مواجهة الرأي العام العربي والإسلامي وأيضاً العالمي هدفه الإساءة إليهم، والحفاظ على ماء وجه نوري المالكي وكل الطائفيين والمذهبيين العراقيين الذين دأبوا على التعامل مع الأوضاع العراقية الداخلية ومع الأوضاع العربية وفقاً لمصالح إيران وrdquo;أجنداتهاrdquo;، وليس وفقاً لمصالح بلدهم العراق، وهذه مسألة باتت واضحة ومعروفة، ولا تحتاج إلى أدلّة ولا إلى براهين.
كان نوري المالكي، وهو رئيس وزراء، قد شكا مر الشكوى من تدخل نظام بشار الأسد السافر في الشؤون الداخلية العراقية، وكان ldquo;الأخ جوادrdquo;، وهذا هو اسمه الحركي عندما كان مجاهداً في حزب الدعوة الأكثر ولاءً لإيران الخمينية، قد اتهم هذا النظام بأنه المسؤول عن أبشع العمليات الإرهابية التي استهدفت وزارة الخارجية وعلى رأسها هوشيار زيباري ومنشآت مؤسسات أخرى، ولهذا فإن المفترض ألا يرضخ العراق لحساب المصالح الإيرانية، وأن تكون قراراته ومواقفه، حتى بالنسبة إلى ما ذهبت إليه الجامعة العربية، وفقاً لمصالحه الوطنية ومصالح شعبه، ومن بينه الأكراد الذين يكفيهم ما تعرضوا له من ويلات وكوارث على مدى سنوات التاريخ الحديث كله.
والمُستغرب حقاً وفعلاً أن يقبل هوشيار زيباري بذلك وهو الذي يحتل هذا الموقع ممثلاً في الدائرة الأضيق للحزب الديمقراطي الكردستاني، الذي أسسه المُلا مصطفى البارزاني في بدايات ستينيات القرن الماضي، وقدم عشرات الآلاف من الشهداء دفاعاً عن قضايا شعبه، وأولها كرامة هذا الشعب، وممثلاً في الدائرة الأوسع لأكراد العراق كلهم الذين هم الأَوْلى حتى من العرب بالوقوف ضد الظلم الذي بقوا يتعرضون له على مدى حُقَب التاريخ الحديث منذ الحرب العالمية الأُولى وقبل ذلك، وهو ما يتعرض له حالياً الشعب السوري وفي طليعته أكراد سورية.
نحن نعرف أن رئيس إقليم كردستان العراق والزعيم القوي للأكراد في كل دول هذه المنطقة وخارجها مسعود البارزاني قد طلب من أكراد سورية أن يتخذوا مواقف الشعب السوري وألا ينفردوا بأي موقف، كما أننا نعرف أن ldquo;مام جلالrdquo; تربطه علاقات بعضها معروف وبعضها غير معروف بهذا النظام، إن في عهد الأب وإن في عهد الابن، وأن خطوط الاتصالات السرية بين السليمانية وبين دمشق بقيت سالكة منذ بداية هذه الأحداث السورية إلى الآن، وأنه لم يتوقف عن عمليات التحشيد والتعبئة في أوساط الأكراد السوريين لحملهم على الاصطفاف إلى جانب بشار الأسد، واتخاذ موقفه وموقف نظامه ضد هذه الثورة المتصاعدة.
والمؤكد أن الأشقاء الأكراد يعرفون أن دافع هذا الكلام هو الحرص على عدم تشويه الصورة الجميلة لهذا الشعب العظيم المكافح، والمقصود هنا هو أكراد العراق وأكراد إيران وأكراد تركيا، الذي إن لم يكن اصطفافه إلى جانب الشعب السوري بعَرَبه وكُرْده فعلى الأقل ألا يُوضع كواجهة إعلامية لانحياز نوري المالكي لمصالح إيران على حساب مصالح العراق ومصالح شعبه، وعلى الأقل أيضاً ألا يسمح لـrdquo;مام جلالrdquo; الطالباني أن يفعل هذا الذي يفعله، فضلاً عن محاولته الآن عقد مؤتمر في أربيل لبعض شرائح الأكراد السوريين لدعم ومساندة نظام بشار الأسد، الذي يشكّل امتداداً للذين كانوا أعدّوا مشروع التطويق العنصري ضد أكراد مناطق الحدود السورية- الكردية الذي لايزال ساري المفعول.
التعليقات