اسرائيل اليوم


حسم تاريخان مصير بشار الاسد السياسي وهما: 21 تموز 1994 وهو اليوم الذي قُتل فيه الوريث المرشح أخوه باسل في حادثة طرق وهو اليوم الذي مهد طريق بشار الى القصر، و15 آذار 2011 وهو يوم بدء الاضطرابات في بلاده والذي بدأ فيه العد التنازلي ايضا.
بحسب الكلام الذي قاله الاسد في المقابلة الصحافية التي أجراها أمس مع بربارة وولترز من شبكة 'اي.بي.سي'، لم تعد له صلاحيات البتة وهو في عمله للاستجابة لارادة الشعب فقط. وماذا عن الجيش؟ هل يقرر شيئا أو يبت شيئا؟ قال هذا من قبله ولم يقله من زمن بعيد، القذافي في ليبيا، كلمة كلمة تقريبا. يمكن ان يكون مصير الاسد مشابها إلا اذا وجد لنفسه ملاذا في روسيا أو ايران فالامر مسألة وقت فقط.
لو أن والد الاسد حافظ الذي نعرفه قال كلاما مشابها لقناة غربية بعد مذبحة الاخوان المسلمين في حماة في شباط 1982 لأمكنه ان يمر. لكن هذه الايام مختلفة سياسيا وتكنولوجيا. كان الشارع العربي آنذاك خاضعا ولم تكن قنوات كـ 'الجزيرة' موجودة فضلا عن الشبكات الاجتماعية. وكانت الجامعة العربية متحدة من وراء زعمائها، أما الغرب فلم يكن يتجرأ على التدخل في شأن من يتمتع برعاية سوفييتية. كانت مقابلة الاسد أمس كأنها مأخوذة من الثمانينيات. وكم هي المفارَقة في ان الغرب احتضن الاسد مع توليه منصبه في الألفية الثانية. كان يفترض ان يُدخل سورية في العصر الحديث. وفي مقابلة أمس لم يبدُ مثل ابن حافظ الاسد بل مثل أخيه التوأم.
تظاهر القذافي ايضا بالسذاجة ازاء مراسلة امريكية. وفوجىء القذافي ايضا بالسؤال عن مسؤوليته عن الدم الذي سُفك في بلاده، وآمن القذافي ايضا بأنه سيخرج من هذا آخر الامر.
ونقول للحقيقة ان الاسد يتمتع بنسب تأييد أعلى بين السكان من أبناء طائفته العلوية لا لأنهم يحبونه بل لأنهم مُعلقون به أو بسلطته لمزيد الدقة. وما تزال له برغم العقوبات والعزلة صديقات في العالم تشمل لبنان واليمن والعراق والجزائر وايران والصين وروسيا بالطبع.
في الثالث من أيار 2001 التقيت الاسد في مؤتمر صحافي في مدريد. كان ذاك السفر الاول الى الغرب للرئيس الشاب. وفي كل مرة سُئل فيها سؤالا بدا ينظر في حيرة نحو حاشيته ومستشاريه. بدا مثل غريب في بلاده وغريب في قصره كما كان أمس. يصعب ان نعلم أي تاريخ يلعنه بشار اليوم قبل نومه أكثر أتموز 1994 أم آذار 2011، فكلاهما حسم مصيره.

يديعوت:عزلة نصر الله


تجرأ الامين العام لحزب الله للحظة قصيرة على ان يظهر هذا الاسبوع في خطبة معلنة هي الاولى منذ سنين، ونزل فورا تحت الارض مرة اخرى. ولم يكن عرضا ان أظهر نصر الله نفسه. فهو يعلم ان عهد رفع الرأس الشيعي في الشرق الاوسط يقترب من نهايته لهذا كان ملزما ان يعمل عملا فعالا شاذا وجريئا في ظاهر الامر.
بعد الثورة الخمينية في ايران (1979) وبعد اسقاط النظام السني في العراق (2003) خاصة كان يبدو ان الشيعة يسيطرون. في ايران وجنوب العراق وسوريا ولبنان وفي المعسكر الفلسطيني ايضا بواسطة حماس والجهاد الاسلامي.
لكن كان الحديث بمفاهيم تاريخية عن ظاهرة متكلفة، بعد نحو من ألف سنة من هيمنة سنية واضحة هذا الى كون الشيعة عددهم 15 في المائة فقط من المسلمين في مقابل 85 في المائة من السنيين.
جاءت العقوبات المتصاعدة على ايران وجعلت الدولة معزولة وضعيفة، وجاء التمرد العربي في السنة الاخيرة وأنهى الهيمنة العلوية التي تُرى في سوريا وفي العالم العربي أنها استمرار للشيعة. صحيح ان الشيعة يسيطرون على العراق لكنهم يعلمون جيدا حدود قوتهم هناك، بعد سني حرب أهلية بل ان فريقا من الشيعة يعارضون بالفعل سيطرة ايرانية عليهم.
وماذا سيفعل الآن القمر الصناعي نصر الله في الوقت الذي أخذت فيه سفينته الفضائية الأم ايران تنحل اقتصاديا وطائفيا، وفي الوقت الذي أخذت فيه الفقرة الرابطة وهي سوريا الاسد تختفي؟ ان 'الهلال الشيعي' الذي تحدث عنه الشيعة في صلف ينحل. فبغير ايران وسوريا يعود حزب الله الى حجمه الحقيقي: من غير تمويل سخي ومن غير تسليح ومن غير دعم سياسي.
واسوأ من ذلك ان نصر الله يُصر على تأييد الاسد ونظامه الدموي علنا ويحظى بذلك بتنديد العالم السني. ان نصر الله 'النجم'، الذي حارب اسرائيل قبل خمس سنين فقط، يُرى الآن جزءا من العالم العربي القديم. بل ان حماس فهمت هذا وسارعت الى الهرب من رعاية الاسد. لكن حماس منظمة سنية قياسا بحزب الله الشيعي الذي ليس له ملجأ يلوذ اليه سوى ايران أو سوريا. ويعلق الامين العام لحزب الله آماله الآن على مصر ان تواجه اسرائيل لكن من المنطقي افتراض انه يعلم ما الذي يعتقده الفقهاء السنيون في مصر فيه وفي منظمته. فليس لهم حب كبير له اذا لم نشأ المبالغة.
يعيد حزب الله الى لبنان كميات السلاح التي أودعها في سوريا ويرى اللبنانيون هذا. وقد تم تجديد النقاش في لبنان في نزع سلاح حزب الله ويرى حزب الله هذا في قلق. اجل انه يستطيع ان يهاجم اسرائيل لكنه سيفضي بهذا الى خراب لبنان.
صحيح ان ايران تحاول ان تحشر نفسها في لبنان وربما تنجح في هذا بقدر ما (التعاون مع الجيش اللبناني مثلا). لكن هذا ينبع من غياب سوريا عن الساحة اللبنانية. ان الطوائف هناك تحتاج الى جهة خارجية تحفظها من نفسها.
وفي الختام لم يخضع رئيس حكومة لبنان صاحب المليارات، نجيب ميقاتي، لضغط نصر الله ووافق على تحويل مال لتمويل المحكمة الدولية في لاهاي التي أدانت عددا من كبار مسؤولي حزب الله بقتل رئيس الحكومة السابق رفيق الحريري. والحديث من وجهة نظر نصر الله عن ضربة اخرى تُبين له مبلغ ضعفه في السياسة اللبنانية الداخلية ايضا، فحتى حليفه ميقاتي يدير له ظهره. فهل يقلب نصر الله المائدة في لبنان؟ في هذا شك كبير.
اعتاش حزب الله مدة عقدين على مناضلة قوات الجيش الاسرائيلي في لبنان. واليوم والعالم العربي يصارع بعضه بعضا وتبينت الأبعاد المكبرة بصورة متكلفة للصراع الاسرائيلي العربي لم يعد لحزب الله ما يتسلقه بعد. ان خطبته التبجحية الاخيرة تشهد اذا على ضعف وقلق لا على ثقة بالنفس أو مجال عمل.
الجيش الاسرائيلي مستعد للتحديات من الشمال لكنهم في اسرائيل يدركون ايضا خيارات عمل نصر الله المتراجعة في العالم الذي أصبح أبرد مما كان دائما بالنسبة اليه.