حازم عبدالرحمن

أخطر ما يمكن أن يحدث هو أن تقول بعض تيارات الإسلام السياسي إن أفكارها وتصوراتها عن الدين هي الدين ذاتهrlm;,rlm; لامجرد اجتهادات تخطئ وتصيبrlm;.rlm; فإذا حدث هذا فقد نجد أنفسنا أمام دوله دينية مقدسة علي طريقة عصور الظلام.


التي سادت في القرون الوسطي بأوروبا. وهذا ما ينكره الإسلام تماما فهو لايعرف الدولة الدينية ولاحتي رجل الدين.
(1)
علينا أن نعترف بأن دخول السلفيين إلي مجلس الشعب بأحزاب سياسية قوية هو تعبير عن حق الحرافيش والمهمشين في هذا المجتمع في أن يكون لهم صوت مسموع وكلمة نافذة وأن يمتلكوا القدرة علي إصدار تشريعات ووضع خطط للارتفاع بمستويات معيشة سكان الأحياء العشوائية والمقابر والأرياف المنسيين( أكثر من ثلاثين مليون نسمه) وتنفيذها, وهو مالو تحقق فسيكون أحد أكبر نجاحات ثورة يناير. ويلزم ألا تضيع هذه الفرصة بأن ينجرف السلفيون إلي كلام لاطائل منه فعليهم أن يركزوا أعمالهم علي هذه الدنيا التي هي مجال السياسة حتي يستطيعوا في المرة المقبلة أن يفوزوا بثقة الناس ليحافظوا علي اماكنهم في البرلمان.
الغالب أن الحركة السلفية في المجتمع هي تعبير عن احتجاج اجتماعي واضح وصراع طبقي, فشكلهم وملابسهم وطريقتهم في الكلام وثقافتهم كل هذا يختلف تماما مع مايمكن أن نطلق عليه النخبة السياسية. وحتي السلفيون من خريجي كليات الهندسة والطب والصيدلة.. إلخ الذين يتولي بعضهم تقديم محاضرات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة هؤلاء جميعا يحرصون علي هذا المظهر المختلف. علي ان أهم من هذا الشكل الخارجي أن يكون مخبرهم كذلك فيركزوا علي الأمور الجوهرية وتغيير الحياة للأحسن ويبتعدوا عن الإنجرار وراء محاولات خائبة لفرض أذواقهم في ملابسهم وطريقة حياتهم علي الآخرين. ويبدو أن نقطة الضعف الرئيسية في المشروع السلفي هي أنه يسعي لأن يدمج الدولة في الدين ويتدخل في الحياة الشخصية للناس بحجة إنقاذهم من شرور الدنيا وتهيئتهم لدخول الجنة. وهو ينسي بذلك أنه يعيد إحياء نماذج لدول مستبدة عرفها العالم علي امتداد التاريخ تجعل الحاكم رجلا مقدسا مثل( الفرعون) و(الفوهرر) الألماني و(الكوميسار) الشيوعي السوفيتي و(الدوتشي) الإيطالي.
(2)
هذا المشروع الاحتجاجي السلفي تتهدده أخطار كثيرة ليس أقلها أن تكتفي الجماعة السلفية بالتقليد وتتجنب الإبتكار والإبداع, ويبدو ذلك للأسف من المنشورات التي توزعها بقصد غواية البسطاء من الناس في الإنتخابات, فهي تتهم منافسيها في الانتخابات بأنهم مسيحيون وكفار وملحدون وأن من يقترع لهم يخرج عن ملة الإسلام وان السلفيين هم الفرقة الناجية ومن سيقترع لهم يدخل الجنة وكل هذا انتهازية واضحة وكلام اجوف لكنه شديد التأثير في البسطاء من الناس الذين لايملكون المعلومات الكافية للرد علي هذه الأفكار الخبيثة, والأهم أن هذا المواطن لم يتعود طوال عمره أن يكون له رأي خاص يتمسك به مهما اختلف مع آراء من حوله فينجرف وراءهم بعقلية القطيع.
المعركة الانتخابية منذ البداية هي صراع سياسي والسياسة عمل من أجل الدنيا لامن أجل الآخرة وهدف كل حزب أن يحاول جعل هذه الحياة أفضل بزيادة دخول الناس وتوفير فرص العمل وتقليل البطالة ورفع مستويات الرعاية الصحية والتعليم وتوفير إسكان لائق.. إلخ, وكل هذه المسائل كما نري لاعلاقة لها مطلقا بإيمان الإنسان أو كفره فليس فيها شئ واحد يتصل بأسس الإيمان من قريب أو بعيد, الأخطر من هذا كله أن هذه الدعاية الشريرة تفتح الباب لتقسيم الناس علي حسب أديانهم وتهيئ الأرض لفتنة طائفية وتشق وحدة الوطن فالمفروض أن كل الناس مصريون والوحدة بين كل من يقيم علي هذه الأرض لها الأولوية علي ماعداها.
(3)
هذا الكلام كله يعبر عن طبيعة الأفكار الرجعية الرائجة بين بعض تيارات السلفيين فالناس لاتختار حزبا دون الآخر لأنه سيقودهم إلي الجنة, فإذا كانت الجنة هي الغاية فالطريق إليها لايكون عن طريق السعي للفوز بأصوات الناس وزيادة الشعبية ودخول البرلمان وتشكيل الحكومة وكتابة الدستور الجديد وتسلم السلطة من المجلس العسكري. فكل هذه المسائل تتصل بعلاقة الناس بعضهم ببعض ومسئولية النائب أمام المحيطين به الذين منحوه ثقتهم.
ويبقي أن نتذكر أن التصوف بدأ في الحضارة الإسلامية كحركة احتجاج اجتماعي فقد حرص المتصوفة علي ارتداء الصوف واتباع انماط حياة شديدة التقشف وأخذ النفس بالترويض الشديد كنقيض لحياة الأرستقراطية العربية في ظل دولة الخلافة الإسلامية التي كانت تلبس الحرير وتأكل الفالوذج وقد اغفلت الحركة الصوفية بعد ذلك هذا الجانب الإجتماعي في نشأتها وتحولت إلي دروشة. ومن المهم أن نتذكر أيضا أن نجيب محفوظ كان يحلم بأن يأتي يوم يكون فيه لحرافيش مصر كلمة نافذة يستطيعون بها أن يقيموا العدل في المجتمع ويجعلوا حياتهم جديرة بأن يستمتعوا بها. فهل ينتهز السلفيون فرصة دخولهم البرلمان ويسعوا لتحقيق حلم نجيب محفوظ؟