محمد الرميحي
لا أعرف على وجه اليقين لماذا كلما تابعت مجهودات الجامعة العربية مع الملف السوري، أتذكر الحكاية القديمة لناظر مدرسة اللُقطاء؛ فقد قرر - تقول الحكاية - بعد أن عانى الأمرين، من شغب الطلاب مجهولي الأب.. قرر أن يدعوا إلى اجتماع لأولياء الأمور، واشترط أن يحضر الآباء!
طبعا، للأذكياء فقط، أن ذلك الشرط تعجيزي ولا يمكن حكما تلبية مثل هذا الطلب، وهو يماثل أيضا اقتراحات الجامعة العربية تجاه ما يحدث في سوريا.. الجامعة تريد أن ترسل مراقبين لحماية المتظاهرين السوريين من عسف القوة المفرطة التي تقدم كل أسبوع عددا من الضحايا وسيلا من الدم.
قبول سوريا ذلك الاقتراح، يعني، فيما يعنيه، أن تعج المدن والقرى السورية بعدد كبير من المراقبين الذين سوف يكونون الملجأ الآمن للمتظاهرين، وعندما يتأكد الجمهور السوري أنه لن يقتل في حال التظاهر سوف تنتشر المظاهرات المطالبة برحيل النظام وهي آمنة من كل مكروه، فيتشجع من هو حتى الآن واقف على خط الأناة أو الترقب من المواطنين السورين، خوفا أو رجاء أو تحوطا، وتنتشر، بالتالي، المظاهرات المطالبة بإسقاط النظام وتتكثف حتى يسقط بالفعل.
هذه النظرية ليس من المستبعد أن بعض أهل النظام في دمشق يعيها، وبالتالي، لن يقبل أن يوقع على تلك المبادرة العربية، فتوقيعه ذاك إن تم، يعني توقيع شهادة وفاته مقدما. ما يقوم به هو كسب الوقت لعل الرياح العالمية أو الإقليمية تهدأ، وأيضا تهدئ من الزخم في أشرعة المظاهرات والاحتجاجات الأسبوعية.
النظام السوري يقرأ الأحداث كالتالي: واضح أن هناك تيارا عارما من الإسلام السياسي يأتي بديلا للأنظمة البائدة في دول laquo;الربيعraquo;، هذا واضح في تونس ومصر وأيضا محتمل في اليمن وفي ليبيا، ولعل البعض في المكاتب المغلقة في عواصم اتخاذ القرار في الغرب، ولدى العرب، يستشعرون أن نظاما سوريا laquo;محسناraquo; أفضل من قوة إسلام سياسي لا يعرف أحد حتى الآن إلى أين سوف تأخذ المنطقة!
من جانب آخر، يراهن النظام السوري على أن الجرس سوف يقرع في تل أبيب؛ حيث إن النظام الصهيوني في الأرض المحتلة لن يقبل بسهولة أن يحاصر بين نظامين في جناحه الغربي والشرقي مسلحين بقوة الإسلام السياسي التي هي بالضرورة معادية له بسبب آيديولوجيتها وبسبب تماسها بالجماهير، إذا أضفنا إليها قوة حماس.. يعني أن الحلقة تضيق عليه، فهو - أي النظام الصهيوني - سوف يفضل laquo;الشيطان الذي يعرف، والذي لم يطلق رصاصة مباشرة من خلال حدوده طوال العقود السابقة، على شيطان غير مقيد قد يتصرف بخلاف ما تمraquo;.. هذه القراءة ليست بعيدة عن رؤية النظام السوري، وتمتد القراءة لتصل إلى أن تل أبيب؛ بما لها من خاطر في واشنطن، سوف تضغط ربما لوقف الحملة الدولية على دمشق.
هذه القراءة يعضدها عدد من الظواهر؛ فالحركة الإيرانية بهذا الاتجاه، أي مع تحسين لوجه النظام السوري دون إزالته، مع تقديم بعض التنازلات في ملفات أخرى، على أمل أن تمر المرحلة، وتأتي مرحلة جديدة، فلا يسقط النظام؛ بل يقدم تنازلات يمكن له في المستقبل أن يمسحها من ملفه.
كل هذا السيناريو، معطوفا على تباطؤ دولي قريب من الحيرة حول أي الطرق يمكن أن تكون ناجحة للضغط على النظام السوري من أجل التغيير الداخلي، كما أن البديل - كما يقول كثير من التحليلات - في نظر القوى الدولية، غير جاهز في سوريا حتى الآن، أي البديل العقلاني الذي يمكن أن يجعل من هذه الفسيفساء السياسية والاجتماعة السورية شبه متماسكة في حال سقوط النظام وإزالته من الصورة، وأيضا منع خيار إسلام سياسي متشدد صرف.
النتائج على الأرض لربيع العرب - حتى الآن - تجعل من المشهد السوري، مشهدا للمراجعة والتأني والتأكد من النتائج قبل اتخاذ خطوات أخرى جذرية. ربما الأفضل من كل السيناريوهات الموضوعة على الطاولة هو سيناريو اليمن، حيث لا يموت الذئب ولا تفنى الغنم، فقط الراعي يذهب إلى مكان مريح مع مجموعته الصغيرة، ويبقى هيكل الدولة متغيرا على نطاق زمني معقول ومشاركا مع قوى التجديد. مع التكيف مع المطالبات الجديدة؛ ومنها تداول سلمي للسلطة، وإطلاق تكوين الأحزاب، وليبرالية أكثر في الاقتصاد، وانفكاك تدريجي من التحالف الإقليمي.. فقد أصبح التغيير، بجانب كونه سنة، ضرورة حياتية.
هذا السيناريو يحتاج إلى كثير من العمل؛ ليس على مستوى النظام السوري فقط، ولكن أيضا على مستوى المعارضة التي فتح شهيتها وصول المعارضات الليبية والتونسية والمصرية إلى دفة الحكم. فهي لا تريد المشاركة مع هيكل النظام في مرحلة تحول متوسطة المدى زمنيا، وهي بذلك تقرأ البيئة السياسية السورية والمحيط حولها قراءة مبتسرة، كما أن النظام نفسه لن يقبل بسيناريو كهذا، لأنه تعود أن يرى نفسه في المرآة ولا يرى غير صورته التي يعرف كثيرون أنها شاخت سياسيا إلا هو.
من هنا، فإن البديل لدعوة الآباء في مدرسة اللقطاء التي تحاول الجامعة العربية أن تنفذها في سوريا، يقترح أن تذهب الدعوة إلى أهل العقل، لعل فيهم بعض الحنان على الأولاد، الذين هم شعب سوريا، من خلال تقديم مبادرة تتوافق عليها الأطراف لتشكيل حكومة ائتلافية من الحرس السوري القديم والحرس الجديد، المعارضة، مع مخرج مشرف لمن هم في قمة السلطة في دمشق اليوم. بهذا يمكن حقن دماء زكية في الغالب سوف تستباح في الأسابيع والأشهر المقبلة دون أفق لوقف النزف المستمر.
آخر الكلام:
تنتشر بعض الكتابات في الفضاء العربي تعليقا على نجاح انتخاب السلفيين والإخوان في مصر وفي غيرها، تقول تلك الكتابات مباشرة أو مداورة، إن نجاح تلك الفئات الانتخابي هو بسبب تمويل يأتيهم من الخليج.. أسماء محترمة تخوض في ذلك من غير دليل. ينسى هؤلاء أن انتشار تلك الجماعات في مصر في العشرين سنة الماضية كان واضحا للعيان، وبدلا من البحث عن الأسباب العقلية.. يعلق هذا البعض قصور فهمه على نظرية المؤامرة!
التعليقات