ياسر الزعاترة

يحق لإيران وأتباعها وفي مقدمتهم حزب الله أن يقيموا الأعراس الصاخبة احتفالا بالهزيمة الأميركية في العراق عشية الانسحاب الأميركي، لاسيَّما أن طهران لا تمانع في الإبقاء على عدد من الجنود لغايات التدريب وحماية البعثة الدبلوماسية الأميركية، وبالطبع لأنهم سيكونون بمثابة رهائن يمكن استهدافهم في حال تعرضت إيران لهجوم أميركي أو إسرائيلي على منشآتها النووية.
من جهتنا لا نقلل إطلاقا من شأن الهزيمة الأميركية في العراق، نحن الذين وقفنا دون تردد إلى جانب خيار المقاومة في مواجهة غزو كان يستهدف إعادة تشكيل المنطقة برمتها لحساب البرنامج الأميركي الصهيوني، بل الصهيوني بشكل أوضح.
لكن السؤال الذي يطرح نفسه ويتجاهله المتحدثون باسم حزب الله، بمن فيهم السيد نصر الله، هو: أية قوىً تلك التي أسهمت في تلك الهزيمة؟ هل هي القوى التي جاءت على ظهر الدبابة الأميركية وظلت تسير في ركابها حتى الرمق الأخير؟ أم القوى التي يراها الحزب ومن ورائه إيران قوىً طائفية وتكفيرية سنية؟!
والحق أن الإنجاز الأكبر لتنظيم القاعدة في تاريخه كله هو مساهمته في تلك الهزيمة، دون التقليل من شأن الأخطاء التي ارتكبها بعد ذلك، إذ يدرك المنصفون أن المقاومة التي أطلقها التنظيم (التوحيد والجهاد بقيادة الزرقاوي قبل انضمامه لتنظيم القاعدة الأم) هي التي أسهمت بشكل مباشر في انخراط القوى السنية الأخرى في العمل المسلح الذي كلف الأميركان خسائر مالية وبشرية، باهظة فرضت عليهم الانسحاب الذليل.
لا ننكر أيضا أن دور النظام السوري في إسناد المقاومة كان عاملا مهما في السياق، حتى لو كان يفعل ذلك دفاعا عن نفسه، وهو كذلك بالطبع، ولا ننكر أيضا أن استراتيجية إيران في العراق هي التي وضعت الأميركان بين مطرقة المقاومة وسندان القوى المتحالفة معها، فكانت النتيجة أن المقاومة العربية السنية كانت تزرع بينما يأتي الحصاد لصالح حلفاء إيران الذين كان حزب الله يؤيدهم رغم محاولاته غير المجدية لإظهار نفسه في صف المقاومة (كان الحزب يعلل تعاونه مع القوى الشيعية المتحالفة مع الاحتلال بوجود قوىً سنية تفعل ذلك، إلى جانب وجود قوىً شيعية محدودة تمارس المقاومة).
هل كان خيار المقاومة عبثيا في ضوء ذلك؟ قد يقول بعضهم ذلك عندما تعلو الحسابات المذهبية، لكن واقع الحال يؤكد أن مشروع الغزو كان يستهدف الأمة بأسرها (سنة وشيعة)، ووضع الحب كله في طاحونة المشروع الصهيوني وجعله سيدا وحيدا مطاعا في المنطقة. ولو لم تواجهه المقاومة لكان مشهد المنطقة هذه الأيام مختلفا على مختلف الأصعدة.
لقد كانت أزمة المقاومة السنية تتمثل في عمقها العربي، بينما استفادت القوى الشيعية من عمقها الإيراني فحصدت ما حصدت. في السياق العربي رأينا كيف أن الأنظمة التي تقدم نفسها حامية حمى أهل السنة في مواجهة إيران و laquo;التمدد الشيعيraquo; كانت تتلكأ في الدخول على خط الأزمة خوفا من الأميركان، فكان أن تركت البلد مستباحا لإيران.
إلى جانب ذلك كانت القوى العربية السنية (باستثناءات محدودة) تمارس رعونة سياسية استثنائية، إذ بدل استثمار المقاومة بطريقة ذكية راحت تطاردها وتتحالف مع المحتل ضدها مقابل فتات لا يسمن ولا يغني من جوع، ولو أعاد رموز العرب السنة الذين انخرطوا في العملية السياسية حساباتهم لأدركوا حجم الجريمة التي ارتكبوها بحق العراق عموما، وبحق الفئة التي كانوا يزعمون الدفاع عنها، وها نحن نتابع بعضهم يتراكضون من عاصمة إلى أخرى يبشرون بانفصال مناطق العرب السنة بعد يأسهم من القدرة على الحصول على شيء يذكر في مواجهة المالكي وحلفائه. لقد أدت رعونة أولئك القوم إلى تقديم البلد هدية لإيران، وحشر العرب السنة في دائرة الأقلية، رغم أن الانتخابات الماضية قد أثبتت أنهم مع الأكراد يساوون نصف السكان، مع ضرورة الإشارة إلى الظلم الذي تعرضت له محافظات العرب السنة في قانون الانتخابات بحسبة السكان (دعك من تجاهله الكامل لمسألة الجغرافيا).
اليوم، وفيما يجري تهميش العرب السنة، نرى العراق الذي حررته المقاومة -وليس المالكي وحلفاؤه- يصطف إلى جانب النظام السوري في حربه ضد شعبه، الأمر الذي يستحيل تصنيفه خارج الإطار المذهبي.
لكن ذلك ليس قدر العراق بحال، فنحن إذ نرفض أطروحات بعض رموز العرب السنة الداعية إلى الانفصال، فإننا نرفض في المقابل أن يُستخدم العراق ومقدراته في سياق الدفاع عن نظام مجرم لم تكن وقفتنا ضده ذات صلة بالبعد المذهبي، بل بالحرية والعدالة والمساواة.
في يوم لن يكون بعيدا ستكتشف إيران أن حساباتها في المنطقة ستنتهي إلى خسارة واضحة، ولعلها ستكون الخاسر الأكبر من ربيع العرب إلى جانب الكيان الصهيوني، دون أن تترتب على ذلك أية إساءة لشيعة المنطقة الذين هم جزء لا يتجزأ من أبنائها، لاسيَّما أن روح الثورات العربية تتمثل في إعلاء قيم المواطنة بعيدا عن أية تصنيفات مذهبية أو طائفية أو عرقية. وسيعود العراق عربيا إسلاميا موحدا لكل أبنائه، تماما كما هي حال سوريا، دون أن نستبعد أحلام الوحدة التدريجية بعد أن يستعيد الإنسان العربي قراره من اللصوص وقطاع الطرق.