علي الرشيد

ماذا وراء قبول النظام السوري توقيع بروتوكول المراقبين الذي تضمنته مبادرة الجامعة رغم تحفظاته عليه لفترة طويلة بحجة أنه يمسّ بسيادته الوطنية؟!
ومع التأكيد على أن التوقيع ليس المهم بقدر ما هو الالتزام بتنفيذه، وفقا لما جاء ببنوده، وبحيث يستطيع المراقبون التحرك في الميدان بحرية لكشف زيف الرواية الرسمية التي تمسّك بها طيلة ما يزيد على تسعة أشهر بحكم منعه للجهات الحقوقية ولأجهزة الإعلام العربية والعالمية من نقل ما يجري على الأرض والتحقق منه بشفافية وصدق.. مع التأكيد على ذلك فيمكن القول بأن أمورا كثيرة، قريبة وبعيدة، لعبت دورها في إجبار النظام على الإذعان للتوقيع عليه أخيرا ولعل أهمها:
ـ دخول حركة الاحتجاج الجماهيرية شهرها العاشر من دون توقف، وتحديها لآلة النظام الأمنية والعسكرية التي صبّها بعنف متزايد ومتصاعد مستخدما كل صنوف الأسلحة والبطش لاسيَّما في مدن رئيسية كحمص وحماة ودرعا وإدلب ودير الزور، ورغم تقديم قوافل الشهداء اليومية التي يصل عددها بين (30 ـ 40) شهيدا، منذ ثلاثة أشهر وحتى الآن، ودفع ضريبة الحرية التي انعكست في ارتفاع أعداد المعتقلين والمصابين واللاجئين، وهو ما يعني انكشاف عجز النظام أمام العالم الذي كان يظن أن بإمكانه سحق هذا الحراك والسيطرة عليه عسكريا ـ كما كان يروّج ـ في شهور قليلة وإعادة الحياة لطبيعتها.
ـ الضغوط التي بدأت تمارس جدّيا على النظام من قبل حلفائه وأطراف إقليمية وإن كانت لا تتضمن الرغبة في فرض عقوبات عليه، وإنما ضرورة قيامه بتغييرات حقيقية وجوهرية وفتح حوار حقيقي مع المعارضة، ودعم جهود الجامعة العربية ربما حرصا منها على بقائه واستمراره، وأهم ذلك مشروع القرار الذي تبنته ووزعته روسيا في مجلس الأمن الدولي مؤخرا والذي تضمن إشارة إلى ما وصفه بالاستخدام غير المتكافئ للقوة من جانب السلطات السورية، ودعم مبادرة الجامعة العربية بما فيها تنفيذ خطتها لنشر مراقبين دوليين، وحثّ الحكومة السورية على بدء تحقيقات فورية ومستقلة وحيادية في جميع حالات انتهاك حقوق الإنسان التي حصلت، ووضع حد لقمع من يمارسون حقوقهم في حرية التعبير والتجمع السلمي. إضافة إلى المبادرة العراقية التي نسقت مع الجامعة العربية وشددت على أن الجامعة العربية هي الإطار المناسب والوحيد لحل الأزمة.
ـ خوف النظام السوري من quot;تدويلquot; أزمته بكل ما يعني ذلك من إجراءات قد تلي ذلك كوضع خطط لحماية المدنيين والمناطق العازلة عبر أروقة مجلس الأمن الدولي، وخاصة بعد أن طرحت روسيا مشروع قرارها في مجلس الأمن والذي اعتبر مفاجئا وحظي بمباركة أمريكية وأوروبية غربية ـ مع جملة من تحفظاتها عليه.
ولو رفضت سوريا قرار الجامعة العربية خلال الأسبوع الحالي لبدت محرجة من أقرب حلفائها (روسيا)، ولأعطت الذرائع لها أولا من أجل استصدار قرار أممي قد يصل إلى منتصف الطريق بين رغبات موسكو ورغبات واشنطن وبعض العواصم الغربية ـ على الأقل. ويشتمل ضمنا على ما طرحته الجامعة من ضرورة وقف العنف والتحقق منه بمراقبين محايدين، كما أنها قد تفسح المجال ثانيا أمام الجامعة إلى تحويل مبادرتها إلى مجلس الأمن وهو ما لوحت به اللجنة الوزارية العربية المعنية بسوريا بالجامعة على لسان رئيسها رئيس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني حينما صرح بذلك قائلا: quot;بما أن روسيا ذهبت إلى مجلس الأمن، فالجامعة العربية ستنظر أيضا في التوجه إلى مجلس الأمن، وذلك أثناء اجتماعها بالقاهرة في 21 من الشهر الحاليquot;.
وبناء على ما سبق فلا يبدو أنه هناك صحة لما ذكره وزير الخارجية السوري من بلاده لم تكن لتوقع على مشروع البروتوكول العربي ما لم تكن قد أدخلت عليه التعديلات التي طلبتها، وهو ما أكده الأمين العام للجامعة العربية مشددا على أن البروتوكول لم تجر عليه أي تغييرات.
المهم ما بعد التوقيع، أما التوقيع فمعناه أن الكرة قد وصلت الآن فعليا إلى ملعب النظام، فهو أمام حلين أحلاهما مرّ، إما أن ينفذ مبادرة الجامعة وبالتالي عليه أن يسمح للمراقبين للتحقق مما يجري على أرض الواقع، ولأجهزة الإعلام بنقل هذه الصورة بشفافية، وبالتالي سينفضح ما حرص على إخفائه طيلة تسعة شهور، فضلا عن اشتداد وطأة المظاهرات والاحتجاجات بعد سحب المعدّات العسكرية والمظاهر المسلحة من المدن، وإما أنه سيحاول إفراغ مبادرة الجامعة العربية من محتواها من خلال تنفيذ شكلي quot;ديكوريquot; لبنودها، والحرص على منع فريق المراقبين من تنفيذ مهامه أو التضييق عليه أو الالتفاف على دوره، وهو ما سيعني تلقائيا نقل المبادرة العربية إلى مجلس الأمن، نتيجة عدم التزامه بمبادرة الجامعة.
إذعان النظام السوري للتوقيع على مبادرة الجامعة وبروتوكول دخول المراقبين العرب من حقوقيين وإعلاميين ومنظمات إنسانية ودبلوماسيين ـ مرغما ـ في المجمل علامة على الضعف والتصدع الذي بدأ يعتري بنيته والارتباك الذي يسود أداءه وحجم الضغوط العربية والإقليمية والدولية التي تمارس عليه تحت وطأة الاحتجاجات الشعبية الداخلية التي يواجهها، وسيكون لهذه الخطوة ما بعدها سواء التزم النظام بمقتضيات ما وقع عليه أم لم يلتزم، والحدود الدنيا لهذا التغيير القادم أن معادلة رحيله قد تمت بالفعل كتابة حروفها الأولى، حتى وإن كان هذا الرحيل ـ من باب الحرص الدولي ـ قد يتم بطريقة هادئة.