خيرالله خيرالله
شاء النظام السوري أم أبى، تشكّل موافقته على البروتوكول القاضي باستقبال مراقبين عرب في الأراضي السورية موافقة على المبادرة العربية. إنها خطوة في الاتجاه الصحيح شرط أن تكون هذه الخطوة مقدمة لمرحلة انتقالية تؤدي بطريقة أو باخرى إلى التخلص من النظام القائم. تغيير النظام هو الهدف الحقيقي للمبادرة العربية. فالعرب يعرفون جيدا أن النظام السوري لا يستطيع الإقدام على أيّ إصلاح من أي نوع كان، لا لشيء سوى لانّه غير قابل للاصلاح من جهة ولأنّ أي إصلاح يعني نهايته من جهة أخرى.
المهمّ توقف العنف ووضع حدّ للظلم الذي يتعرّض له المواطن السوري ولعملية استخدام سورية قاعدة للقضاء على ما بقي من كلّ ما هو عربي في المنطقة. والمقصود بكلمة عربي هنا، العروبة الحضارية المنفتحة على العالم والبعيدة كل البعد عن العنصرية وسياسة الابتزاز والغاء الآخر التي لم يعرف النظام السوري غيرها.
تحتاج سورية إلى مراقبين عرب يمكن ان يساهم وجودهم في حقن الدماء وتوقف عملية القمع المنظمة التي يواجه بها النظام شعبه. ولكن يفترض بالعرب منذ الآن التفكير في الخطوة المقبلة، اي في اخراج سورية من ازمتها التي هي ازمة نظام أولا معطوفة على الازمة التاريخية للكيان السوري. انهما ازمتان متلازمتان ادتا إلى جعل سورية في حال هرب مستمرّة إلى امام توجت بتحولّها تدريجا، منذ العام 2005 تحديدا، إلى بلد عربي تحت الوصاية الايرانية. عمليا، يلعب النظام السوري حاليا، بكل بساطة، دورا يقود إلى وضع العرب في اسر فكّي الكمّاشة الإيرانية- الإسرائيلية!
سيذهب المراقبون العرب إلى سورية. ماذا بعد ذلك؟ هل يتوقف القمع والقتل أم يلجأ النظام إلى مزيد من المراوغة وإلى تركيب افلام، من النوع الساقط طبعا، لتبرير نظريته القائلة أن هناك مسلّحين ينتمون إلى جماعات سنّية متطرفة يطلقون النار على قوى الامن ويعتدون على المنشآت الحكومية.
من يعرف ماذا يدور فعلا في سورية يدرك تماما ان ليس في استطاعة النظام تقديم ادلّة على وجود مسلحين سلفيين في مواجهة مع ادواته القمعية. لا وجود سوى لجنود منشقين يدافعون عن حياتهم وعن حياة المواطنين العاديين الذين انتفضوا في وجه الظلم والقهر وقرروا استعادة كرامتهم وحريتهم لا اكثر. لو لم يكن الأمر كذلك، لما كان وزير الخارجية السوري السيّد وليد المعلّم اضطر إلى عرض اشرطة عن اعمال عنف جرت في لبنان وليس في سورية. بعض هذا العنف في لبنان مصدره النظام السوري الذي لم يتوقف لحظة عن اثارة النعرات الطائفية والمذهبية في الوطن الصغير بغية تبرير دور الاطفائي الذي كان مدعوا إلى لعبه في لبنان في مراحل معيّنة. كان يفعل ذلك من أجل الظهور في مظهر من يحمي المسيحيين من المسلحين الفلسطينيين ومن المسلمين تارة وحماية المسلمين من المسلمين تارة اخرى. بكلام أوضح كان يسلّح المسيحيين، ثم يأتي بمن يعتدي عليهم كي يبرر الفائدة من وجوده في لبنان.
هذه مرحلة انقضت. هذه الاعيب عفى عليها الزمن. لم يعد النظام السوري قادرا على لعب دور الاطفائي في لبنان لتبرير وضع اليد عليه. كلّ ما يستطيع عمله الآن هو الاستنجاد بايران عن طريق الميليشيا المسلحة التي هي في امرتها من اجل استعادة بعض نفوذه وارهاب اهل السنّة في الوطن الصغير ومعهم معظم المسيحيين والدروز وقسم لا بأس به من أبناء الطائفة الشيعية الكريمة الذين يرفضون الاستقواء على الشريك في الوطن عن طريق السلاح المذهبي الايراني الذي يمر عبر سورية!
تمتّع النظام السوري بقبوله مجيء المراقبين العرب بروح رياضية عالية. مطلوب منه الآن التمسك بهذه الروح الرياضية وقبول المرحلة الانتقالية. لذلك يفترض في جامعة الدول العربية ألاّ تمرّ عليها حيلته الاخيرة. يفترض بها الانتقال إلى مرحلة اخرى تتجاوز المبادرة الاخيرة التي لن يتمكن النظام السوري من تطبيقها. لن يتمكن من ذلك لانّ المبادرة تستهدف وقف القمع والقتل في حين ان النظام السوري لا يتكلّم لغة اخرى.
كيف الانتقال إلى مرحلة اخرى؟ الجواب ان من الافضل لجامعة الدول العربية التفكير منذ الآن بالمرحلة الانتقالية في سورية. لا يمكن لسورية ان تبقى خنجرا في خاصرة الامن العربي. لا يمكن لسورية ان تكون مصدرا لاثارة القلاقل في البحرين وذلك نيابة عن النظام الايراني في معظم الاحيان. لا يختلف اثنان على ان هناك اصلاحات لا بدّ منها في البحرين. لكنّ ذلك لا يبرر في اي شكل اثارة النعرات المذهبية في منطقة حساسة تطمح ايران إلى وضع اليد عليها والتحكم بثرواتها على طريقة ما تقوم به حاليا في العراق...
تكمن مشكلة النظام السوري في انه في مواجهة مع شعبه أولا. هذا الشعب الأبيّ هو الذي اخذ المبادرة وقرر التخلص من النظام الذي لا يزال يراهن على عامل الوقت وعلى الدعم الايراني الآتي عبر العراق... أو لبنان. مثل هذا الرهان لا يمكن ان يؤدي سوى إلى مزيد من الدماء ومزيد من الاحتقان الطائفي والمذهبي. وحدها المرحلة الانتقالية الواضحة المعالم والمآل يمكن ان تؤدي إلى وضع حدّ للعنف الذي يمارس في حق الناس العاديين. وحدها المرحلة الانتقالية التي تعني الانتهاء من النظام الحالي يمكن ان توفّر للسوري العادي املا بمستقبل افضل يستعيد فيه بلده وحريته وكرامته.
من دون المرحلة الانتقالية التي يمكن ان تتضمن ضمانات لاهل النظام، متى صاروا خارج السلطة، سيأتي المراقبون العرب إلى سورية وسيغادرونها بصفة كونهم شهود زور على جولات جديدة من العنف والقتل لا طائل منها لا االيوم ولا غدا ولا بعد غد...
هل يتجرّأ على طرح المرحلة الانتقالية التي يمكن ان تعطي معنى لمبادرتهم الاخيرة، أم يوفّرون للنظام شهود زور ستقتصر مهمّتهم على تسجيل عدد الشهداء على يد آلة القتل التي يمتلكها والتي تشكّل رأسماله شبه الوحيد؟
التعليقات