ياسر سعد الدين

حين استمع إلى تعليقات بعض المعارضين السوريين والذين يفترض أن مهمتهم التوجيه وإعطاء الثوار معالم في طريقهم الشائكة والوعرة، أصاب بكثير من خيبة الأمل. فالحديث عاطفي في كثير من الأحايين، يميل للخطابة واستعراض المهارات اللغوية، وهو في أحايين أخرى يبحث عما يثير إعجاب الشارع ويصنع الشعبية عوضا عن طرح رؤى استراتيجية وأطروحات تخدم الثورة ومصالحها على المديين المنظر والبعيد.
التسابق في الهجوم على الجامعة العربية بشكل عام دون تقدير لجهود دول عربية حثيثة في الدفاع عن الدم السوري وعن مصالح شعبه والتفرقة بينها وبين أنظمة تناصر دكتاتورية الأسد وتسعى للتغطية على جرائمه، أمور تضر بالثورة وبمصالحها وتضعف مواقف الدول المؤيدة لها.
النظام السوري اضطر مكرها وبعد مناورات وتكتيكات للقبول بالمراقبين العرب، وهو يسعى إلى نزع المصداقية عنهم وبكل السبل، فدخولهم شكل انعطافة كبيرة في مسار الصراع وأعطى الثورة زخما كبيرا رأيناه في مظاهرات حاشدة، كما إنه يؤدي في المحصلة إلى مزيد من إضعاف النظام وهيبته شعبيا وخارجيا. ولكن حين يتبرع بعض المعارضين في الهجوم الشرس على المراقبين وينال من مصداقيتهم فإنهم في المحصلة يخدمون أهداف النظام ولو بحسن النية. وحين يتحدث بعض المراقبين بشكل دبلوماسي عن تعاون النظام السوري ndash;ربما ليستطيعوا إكمال مهمتهم وجمع أدلة تدينه- ينبري بعض المعارضين لمهاجمتهم بطريقة شرسة وأسلوب عنيف.
المراقبون بشر والهجوم الشخصي الجارح عليهم دون أدلة أو دون انتظار لما سيفعلونه أو يقولونه أو يكتبونه سيصيبهم بإحباط قد يؤثر على أدائهم لمهمتهم لصالح النظام بطريقة أو أخرى. وانتقاد الجامعة العربية وبحدة، كمدخل للحديث عن الحاجة للتدخل الدولي، قد يضر لأن التدخل الدولي ليس مضمونا. فإذا استمعت الجامعة لطلبات بعض المعارضين السوريين بترك ملفهم واستطاعت روسيا وغيرها منع تدويل قضيتهم، فالضرر في هذا المجال سيكون أكبر من النفع.
قد يكون سوء ظن البعض من توجهات بعض المراقبين في محله، ولكن الحكمة والحنكة تقتضي منا أن نعطي المراقبين فرصتهم، فإذا ما انحازوا للظلم عندها يكون لكل حادث حديث ويكون الكلام عن عجز الجامعة أو تواطؤ بعض أطرافها منطقيا، ولن نلام إذا ما طالبنا بتدويل الأزمة مع قناعات كثيرين بأن التدويل لن يتم إلا بغطاء عربي واضح وصريح.
أتمنى على المعارضين أن يفكروا بتبعات تصريحاتهم ومواقفهم، فالعاطفة الصادقة والإخلاص لا يكفيان دون تفكير عميق في النتائج والتبعات، لكيلا لا نكون كالدب الذي قتل صاحبه في محاولة لإبعاد الذبابة عن وجهه. الثورة السورية بحاجة لصناعة الأصدقاء وتقدير المواقف المساندة لها وتثمينها خصوصا في ظل وضع إنساني متفجر ومأساوي، وعلينا أن نحسن الخطاب وأن نحرص على المصداقية في نقل الواقع وفي التحليل وفي المواقف والتصريحات.