يحدّد الخبير الاقتصادي الجزائري د. بشير مصيطفى، أربعة عوامل جعلت المصارف الجزائرية في منأى عن تأثيرات انعكاسات الثورات العربية، بيد أنّ مصيطفى وفي تصريحات خاصة لـquot;إيلافquot; يتوقع تعثر غالبية البنوك المملوكة للحكومة.


بنك الجزائر المركزي

كامل الشيرازي من الجزائر: بمنظور الخبير الاقتصادي الجزائري د. بشير مصيطفى، فإنّ الثورات العربية لم تمسّ حتى الساعة أداء الجهاز المصرفي الجزائري بسبب ضعف المبادلات التجارية بين الجزائر والدول المعنية بالثورة وضعف نسبة التحويلات المالية بين بنوك المنطقة.

يركّز الخبير الاقتصادي المعروف على أنّ عنصر الثقة لا يطرح في نظام مصرفي تسيطر عليه البنوك العمومية المملوكة للحكومة، التي ما زالت تلقى الدعم من خزينة الدولة في مجال الرسملة، إلى جانب كون البنوك الجزائرية ليست بنوكًا مخاطرة بسبب ضعف نسبة رساميل المخاطر في محفظتها، عدا البنك الجزائري للتنمية الريفية الذي دخل أخيرًا جدًا في رأسمال الشركة الجزائرية للاستثمار وبمبلغ محدود.

عن أبرز المشكلات التي تواجهها المصارف الجزائرية اليوم، يضع مصيطفى في مقام رئيس، حجم الفائض البنكي في السيولة الذي لامس سقف 1700 مليار دينار، أي 22 مليار دولار، بسبب ضعف توظيف الإدخار الذي لا يتعدى 28 %.

كما يدرج مصيطفى تأخر المصارف الجزائرية في استخدام الدفع الالكتروني، مما زاد من حجم السيولة الورقية، وساهم في ارتفاع التضخم في الاقتصاد الكلي إلى نسبة 4 %، مقحمًا هيمنة الشكل العمومي على البنوك الجزائرية التي تحصي أحد عشر بنكًا، مما حوّلها إلى واجهة للخزانة العامة.

يلفت محدثنا التأخر في التوظيف الربحي لإدخار المصارف الجزائرية بسبب ضعف الجهاز الانتاجي في مقابل ارتفاع الأعباء، وخاصة أعباء الموظفين، الذين زاد عددهم على 30 ألف موظف، مما جعلها بنوكًا عاجزة من الناحية المحاسبية وخاضعة للتطهير المالي من قبل خزانة الدولة.

يحيل مصيطفى على معاناة البنوك الجزائرية المملوكة للحكومة من ضعف التنافسية أمام فروع البنوك الأجنبية، وخاصة في مجال أجور المدراء والموظفين، ما يدفع بها حتمًا الى مراجعة توزيع الأجور، بما يعمق أكثر حالة الإفلاس المحاسبي لديها. ويسجل الدكتور مصيطفى أنّ نسبة التضخم في الجزائر مازالت تأكل من عوائد البنوك المبنية على فوائد القروض والتي تخضع الى أسعار فائدة قريبة من نسبة التضخم.

إلى ذلك، يتوقع الخبير الاقتصادي الجزائري تعثر كل المصارف المملوكة للحكومة في بلاده، عدا بنكين اثنين هما البنك الجزائري الخارجي، وبنك القرض الشعبي الجزائري، ويقول إنّ غالبية المصارف ستكون معرّضة لإشهار إفلاسها في حالة مطالبة الموظفين بمراجعة الأجور بسبب ارتفاع الأعباء وقلة العوائد، أو في حالة استقلال تلك البنوك عن الخزانة العامة للدولة.

الحلّ يتلخص بحسبه في مراجعة أداء تلك البنوك على سلم التمويل التشاركي والتوظيف الاستثماري أي إطلاق محفظات استثمارية قائمة على رساميل المخاطرة، وثانيًا خصخصة البنوك العمومية المتعثرة عن طريق طرحها كليًا أو جزئيا للبيع أو اتباع طريقة خصخصة التسيير دون رأس المال.

وسبق لخبراء أن وجّهوا انتقادات لاذعة للنظام المصرفي الجزائري، وطالبوا بمراجعته تبعًا لاعتباره من لدن متعاملين محليين وخارجيين quot;عقبة حقيقيةquot; في وجه الاستثمار. وذكر عبد الوهاب رزيق الخبير المالي، أنّ صندوق النقد الدولي وبسبب العائق المصرفي، أشار في تقرير له إلى أنّ الجزائر تعاني مشاكل نوعية بشأن المؤسسات المالية، ويتعلق الأمر خصوصًا بقدرتها على جلب والحفاظ على تدفقات الاستثمار.

الدكتور بشير مصيطفى

كما أورد الخبير الاقتصادي عبد الرحمن مبتول، أنّ الشراكة مع بنوك أجنبية مهمة quot;ستساعد بشكل كبير في تسوية مشكل المصارف الجزائريةquot;، مضيفًا أنّه حتى وإن كانت السوق الجزائرية صعبة الاقتحام بالنسبة إلى الاستثمارات الأجنبية المباشرة، فإنها تبقى من الأسواق quot;الواعدةquot;.

من جهته، رأى quot;أرنست أند يونغquot; المتحدث باسم أحد مكاتب الدراسات الدولية، أنّ المصارف الجزائرية لا تزال بعيدة عن المقاييس العالمية، وأورد إنّ الجزائر تظلّ غير مهيّأة في الوقت الحالي لاعتماد المقاييس المطبّقة في مجال مخاطر الائتمان والقروض والرقابة الداخلية، حتى وإن كانت مجبرَة على التوجه إليها لاحقًا.

بدوره، ذكر quot;كلاوس رينغquot; الناطق باسم الشركة المالية الدولية، أنّه بعد معاينات وتحاليل لنظام القروض المعمول به في الجزائر، لوحظ وجود عديد النقائص والثغرات بينها مشكل المؤهلات والتخصص إلى جانب التأثير السيء والسلبي لنظام الإعلام البنكي علي النشاط المصرفي، خاصة في ما يتعلق بالقروض والتحصيل، إضافة إلى الفترات الزمنية الطويلة التي تستغرقها معالجة الملفات الخاصة بالقروض؛ كما سُجل غياب نظام رصد وكشف مسبق للمخاطر المرتبطة بالقروض، ما فتح الباب لبروز العديد من المشاكل لم يتم الكشف عنها إلا بعد وقوعها.