عادت أزمة الدواء للاشتعال مجددًا في الجزائر، بعد الكشف عن عدم توافر مئات الأنواع الدوائية، لا سيما 170 نوعًا ضروريًا للأمراض المزمنة، وهو وضع فجّر الجدل حول راهن الصناعة الدوائية هناك، وسط أحاديث لم تهدأ عن صراعات خفية تتورط فيها من يُطلق عليها محليًا quot;مافيا الدواءquot;، فيما تُوجّه أصابع الاتهام إلى quot;مجموعات المصالحquot; بالضلوع في الاختلالات الحاصلة. quot;إيلافquot; بحثت مع مسؤولين ومنتجين وممثلي نقابات وجمعيات قطاع الصحة في الجزائر، تشابكات ملفّ ابتلع 1.6 مليار يورو خلال العام الأخير، لكنّ ذلك لم يحل دون تكرّس الندرة رغم ضخامة النفقات.


أزمة صناعة الدواء تتفاعل مجددًا في الجزائر

الجزائر: تفيد مراجع مطلّعة أنّ حوالي 230 دواء، بينها 170 صنفًا ضروريًا لا تزال مفقودة في الوكالات الصيدلانية في الجزائر. ومن أبرز المواد النافذة من السوق، هناك أدوية الغثيان لدى الأطفال وأدوية مرض السكري وداء المفاصل، وأقراص منع الحمل والكورتيكويد بالحقن، وبعض أدوية معالجة ارتفاع ضغط الدم واللقاحات المضادة للحساسية.

وفيما يؤكد صيادلة عن نفاد quot;حقيقيquot;، ويصف عبد الحميد بوعلاق الظاهرة بـquot;غير المفهومةquot;، يكذب جمال ولد عباس وزير الصحة الجزائري الأمر رأسًا على عقب، ويشدد على أنّ بلاده تتوافر على مخزون يغطي حاجيات مواطنيه لمدة تربو عن الستة أشهر، مرجعًا ما يحدث إلى اختلال في التوزيع، وعدم تقديم مسؤولي الهياكل الصحية طلبات وفق حاجيات السكان.

بيد أنّ فيصل عابد ممثل النقابة الجزائرية لصيادلة الوكالات، يؤكد على وجود نقص وسوء تسيير، ألقى بظلاله على تسعة آلاف صيدلية و556 موزعًا. ويكشف عابد عن فضيحة منتجات منتهية الصلاحية تمتلئ بها الصيدليات، وأصبحت تشكل خطرًا حقيقيًا على مستهلكيها، ورغم إشعار المسؤولين بالإشكال، إلاّ أنّه لم يتم إتلاف تلك المنتجات.

على طرف نقيض، توضح وزارة الصحة أنّ الكمية التي قيل إنها منتهية الصلاحية، أظهرت في الحقيقة عدم تطابق كشفته أدوات المراقبة لمصالح الصيدلية المركزية، وهو عدم تطابق ناجم من انقطاع حلقة التبريد طرأ على مستوى مصلحة الشحن في مطار الجزائر بسبب ظروف تخزين ونقل سيئة، مما يلقى بالمسؤولية المباشرة على عاتق الممون quot;مخبر روشquot;، والناقل على حد سواء.

في حين يدعو مسعود بلعمبري رئيس النقابة الجزائرية لصيادلة الوكالات إلى فتح تحقيق من أجل تحديد النقائص التي أدت إلى نفاد الأدوية. ويضيف quot;يجب القيام بتحريات ميدانية، ومعاقبة المسؤولين عن ممارسات سيئة في مجال التوزيع وتسيير المخزوناتquot;.

ويلفت بلعمبري إلى وجود موزعين يحظون بنوع من الامتياز الذي يجعلهم يمارسون نوعًا من الاحتكار على عدد من المواد التي يبيعونها بالموازاة مع مواد أخرى، وهو ما يفسّر بحسبه النقص في بعض الأدوية، سواء المنتجة محليًا أو المستوردة.

خطأ أم صراعات؟
إلى ذلك، وفي فصل جديد من صراعات من توصف بـquot;مجموعات المصالحquot;، هاجمت إدارة المجموعة الصيدلانية quot;صيدالquot; المملوكة للحكومة، من سمّتها quot;مجموعات مصالحquot;، قالت إنها تريد إرباك المجموعة، إثر وقوع خلل غلّف الدواء المضاد للزكام quot;رومافادquot; - طبع عليه اسم (كارديتال) بدل (رومافاد)، يكمن في غلاف الألمنيوم. أما مادة الدواء نفسها فلا تشكل أي خطر على صحة المرضى. ويقول بومدين درقاوي الرئيس المدير العام لصيدال أنّ الخلل يتعلق بخمسمائة علبة جرى استرجاعها وإخطار الجهات المختصة وفقًا للتنظيم الصيدلاني الجزائري المعمول به.

ويسجل جمال ولد عباس أنّ حملة تشنذها quot;بعض الأطرافquot; للمساس بسمعة صيدال، التي تعتبر واحدة من أكبر مؤسسات صناعة الأدوية في الجزائر، مصنّفًا الأمر في خانة المحاولة لضرب توازن قطاع موسوم بـquot;الاستراتيجيquot;.

قرأ معلقون تصريحات المسؤول الأول عن القطاع بأنّها مؤشر على صراعات غير معلنة، خصوصًا مع حديثه عن quot;منافسة غير نزيهة لبعض المخابرquot;، وquot;تعهده بمنع استيراد أي مواد مماثلة لما يتم إنتاجه محليًاquot;، في وقت اعتبر آخرون القضية رغبة مورّدين للنيل من ديناميكية ونشاط شركة جزائرية خلاقة للثروات وفرص العمل، على حد تعبيرهم.

بومدين درقاوي أكد أنّ صيدال تعتزم من خلال مخطط رُصد له غلاف يربو عن 160 مليون يورو بناء سبعة مصانع مختصة بالأدوية وسائر المواد الصيدلانية، بالتزامن مع جلب تجهيزات ذات تكنولوجيا عالية، ستسمح للجزائر بمراقبة كل الأدوية المستوردة أو المنتجة محليًا، ويتعلق الأمر بثلاث آلات لتطوير تقنيات التحاليل، تسمح بحماية المرضى من المواد المقلدة والاستفادة من نظام يضمن نوعية الخدمات وفق نتائج موثقة.

في سياق تعزيز وتكثيف الاستثمار الدوائي في الجزائر والتقليص من الاستيراد، تحثّ السلطات المستثمرين المحليين والأجانب إلى الإسهام بفعالية في الاستثمار الوطني لإنتاج الأدوية ونظيراتها المماثلة لتدارك النقائص الموجودة في هذا المجال، بالتوازي مع تشجيع الصيادلة وتحسين هامشهم للربح.

بينما يؤكد مسعود بلعمبري على أنّ تطوير الصناعة الصيدلانية في الجزائر مرهون بتشجيع الإنتاج المحلي وكسر احتكار بعض الموزعين، بعدما ظلت سوق الأدوية تتخبط في مشكلات عديدة، رغم الخطاب الرسمي الداعم للإنتاج المحلي، ما ترك حجم التغطية المحلية للاحتياجات الدوائية لا يتعدّى حدود الـ23 %.

بيانات رسمية تشير إلى أنّ فاتورة الواردات الجزائرية من الأدوية قد هبطت إلى 1.6 مليار يورو مقابل 1.7 مليار يورو في 2009، و1.8 مليار يورو في 2008، مسجلة انخفاضًا بنسبة 5% في العام الأخير، وهو أهم انخفاض منذ القرار الحكومي المتخذ في كانون الثاني/ يناير 2009، الذي نصّ على منع استيراد الأدوية المصنوعة محليًا.

هذا وتتطلع السلطات عبر ترسانة من القوانين المستحدثة، إلى الارتفاع بالإنتاج المحلي المقدّر رسميًا بـ36.86 % من حجم الطلب العام، كما تبدي السلطات اهتمامًا بترقية منظومة الأدوية البديلة التي صار استهلاكها واسعًا بين السكان المحليين، علمًا أنّ نسبة إنتاج هذه الأدوية تجاوزت 41.79 %، وتبلغ نسبة توافرها حاليًا بـ36.86 %، بزيادة سنوية بحدود 1.8 %.