هم شباب كُثر اختاروا الاشتغال في سوق الصيرفة غير الرسمية للعملات الأجنبية، حيثتجدهم يزاولون هذا النشاط المربح في المحال التجارية وحتى في الممرات والأرصفة غير مبالين بالحظر الرسمي، على نحو صارت معه تجارة العملة سوقا قائمة بذاتها لها قوانينها وتداولاتها. من خلال الاستطلاع التالي، تسلط quot;إيلافquot; الضوء على واقع أضحى يتعاظم بشكل مثير في الجزائر على مر السنين.
الجزائر: تعدّ ساحة بورسعيد وسط الجزائر العاصمة القلب النابض لصرّافي العملات، حيثتجد المئات يتوزعون على جنبات المكان وأزقته كل يوم. تراهم يزاوجون بين اتصالات هاتفية خاطفة، وتلويح مثير برزم ضخمة من الأوراق النقدية لمختلف العملات من دينار ودولار ويورو وجنيه إسترليني وين وغيرها، في حراك دؤوب يبدأ من ساعات النهار الأولى ويستمر إلى غاية المغيب.
ويبدو أنّ هذا اللون من الصيرفة غير المشروعة فرض نفسه، على نحو صار من يتخذونها مصدر رزق دائم، ولا يتحرجون إطلاقا من تواجد عناصر الأمن، مثلما لا يظهر عليهم أي مخاوف من تعرضهم إلى المساءلة أو مصادرة ما بحوزتهم من أموال، يعلق quot;ربيعquot; أحد العارفين بخبايا ما يحدث هناك:quot;السوق أصبحت واقعا معاشا وتكاثر فيها عدد السماسرة بعدما كانوا لا يتجاوزون عدد أصابع اليد، المعاملات المالية تتم بشكل دوري وعلني بعدما كانت تجرى في جو من الخلسة في زمن سابق، وتنتعش سوق العملة بشكل خاص في مواسم الإجازات واقترانها بقدوم المغتربين والسياح، ومع اقتراب مواسم الحج والعمرةquot;.
ويوضح فريد الذي انضم إليه ياسين وحسان اللذان يمارسان النشاط ذاته، أنّ عدد زبائنهم غير محدود ويتوزع على فئات اجتماعية عديدة وتشمل الدائرة كبار المصدّرين والمورّدين وكذا من يُعرف بـquot;تجار الشنطةquot; نظرا لحاجتهم المستمرة للعملات، ويفيد حسان أنّ قيمة صرف العملات قابلة للصعود والهبوط بشكل مستمر وسريع، ما يفرض على الزبائن تحيّن الفرص وعدم الإفراط في التردد، وهو انطباع يؤيده quot;عباسquot; الذي يواظب على القدوم إلى ساحة بورسعيد لأجل تصريف الأموال، ويدافع عن ذلك بالقول إنّ ما يجنيه في السوق غير الرسمية أكبر بكثير مما سيحصل عليه لو اختار الذهاب إلى البنوك.
ونظرا لأنّ المهنة مربحة بكل المقاييس (متوسط المكسب اليومي يصل بحسب مراجع محلية إلى حدود 60 ألف دينار أي ما يعادل 600 دولار)، فإنّ الكثير من تجار الأحذية والملابس في الجزائر العاصمة وضواحيها، يمارسونها بحافز مضاعف ولا سيما أنّ المكسب الآنف الذكر مرشح للزيادة طرديا، وذاك ما لمسناه على مستوى عدد من المحلات في شارع العربي بن مهيدي، وكذا السوق المغطاة quot;كلوزالquot; وغيرها، بقدر خلق ديناميكية خاصة للمعتادين على السفر إلى خارج البلاد.
من جهتها، تعد بلدية الصوارخ الحدودية مع تونس (أقصى شرق الجزائر)، محطة مفضلة للصيارفة، ويقترح الشباب الذين يقومون بهذا النشاط على زبائنهم من المسافرين عديد العملات الأجنبية من يورو ودولار ودينار تونسي لتصريفها، ولسان حالهم:quot;الصرف بالدينار الجزائري في هذا الموقع، يسمح بتفادي صرف عملات قوية في تونس والكل يربح في الصرفquot;.
وفيما بات واضحا أنّ سوق الصيرفة بثوبها غير الرسمي، فرضت نفسها كفضاء أوحد لغالبية متعاملي العملة، في بلد لا تزال بورصته الرسمية محتبسة منذ سنوات عديدة، فإنّ المختص quot;أنيس نواريquot; يلاحظ أنّ تفاقم ظاهرة البطالة أدى بقسط وافر إلى بروز مهنة quot;الصرافquot;، بينما يتساءل الأستاذ quot;محمد يعقوبquot; عن مصادر تمويل سوق الصيرفة، ويرفض فكرة امتلاك شباب مغلوب على أمره لذاك السيل من الأموال، جازما أنّ الأمر يتعلق بلوبيات تنشط في الخفاء وتستخدم الشباب كواجهات فحسب، وهو أمر يؤكده عدد من السماسرة بشكل مبطّن، كاشفين عن كسبهم هامشا محترما بفعل اتفاقهم على نسب مئوية مغرية مع من يشغلونهم.
ويحترز خبراء بشأن ما تتكبده الخزانة العامة من خسائر جرّاء سيرورة هذه السوق (اللامعة)، حيث يشدد الخبير quot;عبد الحق لعميريquot; على أنّ الصيرفة غير المشروعة تمعن في العبث بالاقتصاد الرسمي، وسط عجز غريب من السلطات عن كبح جماحها.
التعليقات