في بلد يصنف الثالث عالميا من حيث استقطابه السلع المقلّدة، تعاني الجزائر الأمرّين جرّاء إغراقها بالعلامات التجارية المزوّرة، لا سيما قطع الغيار التي تكلف لوحدها ما لا يقلّ عن 591 مليون دولار كخسائر تستنزف الخزانة العامة كل عام.

الجزائر: تقدّرمصادرجزائرية مطلعة، قيمة البضائع المقلّدة في البلاد بما يزيد عن المليار دولار، تبعا لتزوير 41 في المائة من العلامات التجارية المحلية وفق تقارير رسمية، علما أنّ دوائر الرقابة حجزت خلال العام الأخير ما يربو عن الأربعة ملايين قطعة مقلدة، ما جعل تقريرا أميركيا حديثا يدرج الجزائر بعد الصين وروسيا ضمن قائمة الدول الإحدى عشرة المصنّفة على اللائحة الحمراء.

الاستيراد غير الشرعي بوابة المقلّدين

يفيد تحقيق ميداني أنّ أكثر من 80 بالمائة من المنتجات المزورة مصدرها الاستيراد غير الشرعي الذي يعد النافذة الرئيسة لولوج السلع المقلدة إلى البلاد من خلال من يُعرفون بـquot;تجار الشنطةquot;.كما يكشف quot;عمار رمضانيquot; مدير محاربة الغش على مستوى إدارة الجمارك الجزائرية، أنّ غالبية البضائع المقلّدة آسيوية المنشأ (55 بالمائة) لاسيما الصين (52 بالمائة)، تايوان وتايلندا، متبوعة بدول أوروبا الشرقية (35 بالمائة) خاصة روسيا وأوكرانيا، في حين تمثل السلع المنتجة في الجزائر والمقلدة quot;ثلثquot; المنتجات المتداولة، مع الإشارة إلى أنّ الخمس سنوات الأخيرة شهدت رواج المنتجات المقلدة القادمة من إيطاليا وتركيا.

ويشير الخبير quot;أنيس بن مختارquot; إلى أنّ ظاهرة البضائع المقلّدة لم يسلم منها أي قطاع، إذ مست قطع الغيار بحدود 50 بالمائة وهو ما يفسر وقوع بعض الحوادث التي تكون السبب الرئيس فيها قطع غيار مزورة، كما يلفت ابن مختار إلى أنّ التقليد طال أيضا السجائر بنسبة 60 بالمائة من مجموع السجائر المتداولة في السوق الجزائرية، وكذا المواد الكهرو منزلية وتجهيزات الإعلام الآلي بـ12 بالمائة، ناهيك عن قدر غير قليل من الأدوية والمنتجات الصيدلانية المقلدة. بهذا الصدد، يذهب quot;فريد بلحمريquot; رئيس الجمعية الجزائرية للصيدلة، إلى أنّ ثمة محذورا حاصلا يتمثل في تسريب كميات من quot;الأدوية المقلّدةquot; والتي عادة ما يتكفل تجار quot;الشنطةquot; بإدخالها خفية إلى الجزائر سواء بطرق ملتوية كتهريبها عبر الحدود، ويشير بلحمري، إلى أنّ هذه الأدوية المقلّدة يتم جلبها من دول آسيوية في الغالب كالصين، وتشمل الأدوية المقلّدة، بحسبه، المضادات الحيوية والأدوية المضادة للسرطان وضغط الدم.

في سياق متصل، يركّز المختص quot;عبد القادر عزوزquot; على مستحضرات التجميل والعطور، إذ إنّ 40 بالمائة من مجموع هذه المنتجات مقلدة في الأسواق الجزائرية، وهي حقيقة أكدتها وزارة التجارة الجزائرية، على لسان مسؤولها السابق quot;الهاشمي جعبوبquot; بكشفه قبل فترة أنّ نصف مستحضرات التجميل المسوّقة في الجزائر quot;مقلّدةquot;، وهو ما تسبب في ظهور العديد من الأمراض الجلدية. وتشمل السلع المقلدة الملابس والأحذية وهي تمثل 30 بالمائة من مجموع السلع المتداولة في السوق المحلية، ويشدد quot;الراغ بن عمرquot; وهو مسؤول مركزي على مستوى الجمارك الجزائرية، على أنّه غالبا ما ترتكب هذه المخالفات من قبل متعاملين يستوردون بضائعهم من الصين.

من جهتها، تقول quot;نبيلة قادريquot; المديرة العامة للمعهد الجزائري للملكية الصناعية ، إنّ هاجس البضائع المقلّدة يغلّف كذلك الإنتاج الفني، حيث إنّ أعمال القرصنة فتكت بـ37 بالمائة من الأشرطة السمعية، و72 بالمائة من الأقراص المضغوطة، فضلا عن 75 بالمائة من أشرطة الفيديو، هذه المعطيات جعلت الجزائر تتواجد في المرتبة السابعة عالميا في مجال إنتاج البرمجيات المقلدة بنسبة 83 بالمائة.

ظاهرة تربك المستهلكين

من جانبهم، لا يتردد quot;حسينquot;، quot;معمرquot;، quot;هيثمquot;، quot;فريدةquot; وغيرهم من المستهلكين عن إبداء ذعرهم إزاء طغيان التقليد على البضائع المسوّقة في بلادهم، وهو ما جعل quot;جمالquot; يشدد على أنّه يلتزم الحذر في مشترياته ويفضل اقتناء السلعة الجيدة والأصلية حتى وإن غلا ثمنها، بينما يضرب quot;سيد أحمدquot; كفا بكف حسرة على الأموال التي دفعها لأجل شراء قطع غيار مزيفة. ولا ينفي عبد الرزاق ووليد أنّ تراجع المستوى المعيشي العام لمواطنيهم يضطرهم على الرغم منهم إلى استهلاك بضائع مقلّدة لا لشيء سوى لــquot;أسعارها المنخفضةquot;، وهو ما يبرزه جلول:quot;لست أهتم بما يقال عن النوعية السيئة للبضائع المقلّدة، كيف لي أن أعيل عائلتي بعشرين ألف دينار (ما يعادل 240 دولارا)quot;.

السوق الموازية: مصدر كل القلاقل

وسط فشل حكومي مزمن في مواجهة هذه الآفة، يقول quot;الطاهر بولنوارquot; المتحدث باسم الإتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين إنّ تفاقم حدة السلع المقلدة ناجم أساسا عن ظاهرة الأسواق الموازية أو ما يُطلق عليها quot;الأسواق الفوضويةquot; التي فرضت نفسها بقوة في الجزائر رغم حظرها قانونيا. وتشهد الأسواق الموازية نموا مطرّدا ومتسارعا، بشكل جعلها تستقطب 60 بالمائة من إجمالي التجار على المستوى المحلي، ناهيك عن آلاف الآخرين من اليد العاملة الناشطة في هذه الأسواق، علما أنّ تقديرات الهيئات المتخصصة، تتحدث عن تشغيل السوق الموازية لحوالى مليوني شخص، وهو ما حوّل السوق الموازية إلى قوة ضاربة وعنصر محرك لقطاع مهم من التوازنات التجارية في البلاد، بحكم سيطرتها لوحدها على 40% من الكتلة النقدية المتداولة.

ويمكن للمتجول في مدن جزائرية عديدة بدءا من الأحياء الشعبية في العاصمة الجزائرية مرورا بولايات داخلية، وصولا إلى مدن الجنوب الكبير، أن يلحظ عشرات التجمعات الاقتصادية المتناثرة هنا وهناك، هذه الأخيرة تسيرها مجموعة من يُطلق عليهم مصطلح (البارونات)، لها قوانينها الخاصة بعيدا عن أي وصاية من طرف الدولة التي أعيتها الحيل في ما يبدو، إذ استمرّ بقاء السوق الموازية لسنوات طويلة في الجزائر رغم توالي 13 حكومة، ما يعدّ مؤشرا على سطوة هذه السوق وقوة عرّابيها، علما أنّ quot;إبراهيم بن جابرquot; الذي سبق له إدارة الغرفة الجزائرية للصناعة والتجارة، يقدّر قيمة (رقم أعمال) هذه السوق الموازية بحدود عشرة مليارات دولار، تدور في فلك لا يعترف بالتحصيل الضريبي.

بدوره، يربط الأستاذ quot;أنيس نواريquot; تزوير العلامات التجارية، بانتهاج الجزائر لسياسة السوق المفتوحة، وتفشي ظواهر سلبية مثل ما يُعرف بـquot;إيجار السجلات التجارية بأسماء مستعارةquot; وما ترتب عنها من إفراط في استيراد منتجات مقلدة. ويرى الخبير المالي quot;عبد الحق لعميريquot;، أنّ ظاهرة quot;تزوير العلامات التجاريةquot; كانت لها ولا تزال تداعيات اقتصادية كارثية، خصوصا مع اتساع رقعة السوق السوداء وتفريعاتها غير المشروعة، ويلفت لعميري إلى كون التأثيرات السلبية للبضائع المقلدة، برزت للعيان مع ما رافق مسار انضمام الجزائر إلى منظمة التجارة العالمية، وهي الخطوة المتعثرة منذ سنوات طويلة، بسبب فرض الطرف الأوروبي التعامل مع الجزائر، وفق قواعد صارمة في مجال حماية الملكية الفكرية لخفض النسب العالية للتقليد والقرصنة.

حتمية تعزيز الرقابة والمتابعة الصارمة

حتى يتم إيقاف زحف البضائع المقلدة، يقترح عموم الخبراء تعزيز الرقابة الحدود البرية والمطارات والموانئ وتشديد عمليات تفتيش جميع السلع المستوردة والتي كثيرا ما تكون مغشوشة وذلك باستعمال كل الوسائل العلمية والتكنولوجية المتاحة. ويلزم المشرع الجزائري مزورّي البضائع، بإلزامية دفع فارق القيمة المضافة وسداد غرامات مالية تعادل ضعف مقابل قيمة البضاعة بالنسبة إلى الأشخاص الماديين وأربعة أضعاف بالنسبة إلى الأشخاص المعنويين، علما أنّ الجزائر شرعت منذ العام 1997 في مكافحة ظاهرة التقليد التجاري، إلاّ أنّ الأستاذ quot;عبد الحميد غرناوطquot; يسجل أنّ الجزائر ما زالت متأخرة في مواجهة المنتجات المغشوشة الني يسميها الجزائريون (سلع تايوان).

ويحذر مختصون من النتائج السلبية المترتبة عن ظاهرة تدفق المنتجات المغشوشة، ويدعون إلى صياغة منظومة قانونية متكاملة لمعالجة هذه الظاهرة، بالمقابل، يحيل quot;حسن زنتارquot; نائب مدير النوعية في وزارة التجارة الجزائرية، إلى مشروع قانون لقمع التقليد والقرصنة وما يواكب تزوير العلامات التجارية. ويهدف هذا المشروع المستحدث إلى تحجيم ظاهرة المنتجات المقلدّة من خلال تكثيف الرقابة على المنتجات المسوقة في السوق المحلية ومدى مطابقتها لمقاييس الجودة والنوعية، بيد أنّ الأستاذ quot;أنيس بن مختارquot; يقلل من أثر القانون المُرتقب، طالما أنّ الجزائر بحاجة إلى فعالية من نوع مغاير، وليس لها نقص تشريعي بحكم تمتعها بترسانة خارقة على الورق، بيد أنّ الإشكال يظل في تطبيقاتها.