إذا كانت السلطات الجزائرية تهلل لاستئنافها تصدير الشعير بعد 43 سنة من الانقطاع، وتعتبر معطيات الميدان خلال الأعوام المقبلة في مصلحتها، فإنّ فريقًا مضادًا يقلل من شأن الخطوة، حتى وإن كانت الأخيرة ستسهم في تخفيض واردات الحبوب.

الجزائر: أكد رشيد بن عيسى الوزير الجزائري للزراعة والتنمية الريفية أنّ عملية تصدير الجزائر لعشرات الآلاف من أطنان الشعير، تكتسي طابعًا خاصًا، حتى وإن الكمية متواضعة، مشيرًا إلى quot;أنها بداية مسار معاكسquot;، طالما أنّ ذلك يبشر بآفاق واعدة للبلاد، التي يمكنها أن تلتحق بالمجموعة المغلقة للدول المصدرة للحبوب، بعدما كانت ولسنوات طويلة أحد كبار الزبائن.

ويذهب المسؤول الأول عن قطاع الزراعة في الجزائر، إلى نقطة أبعد، بقوله إنّ استئناف تصدير الشعير، هو بمثابة رسالة للمزارعين، حتى يستعيدوا الثقة في أنفسهم بعد طول ركود، ويعدّد بن عيسى مجموعة مبررات يدافع من خلالها عن رأيه، حيث يؤكد أنّ الجزائر حققت إنتاجًا قياسيًا من الحبوب قدر بـ61.2 مليون قنطار خلال الموسم الأخير، مكنها من تغطية كل احتياجاتها من القمح الصلب والشعير وتحقيق فوائض، أعانتها على تخفيض وارداتها من القمح اللين، وهي تتطلع إلى تحقيق محصول جيد في القمح يفوق معدل الشعير، علماً أنّ نتاج الجزائر الضخم خلال الفترة السابقة حال دون استيرادها الشعير والقمح الصلب منذ أبريل/نيسان 2009.

على المنوال نفسه، يسير نور الدين كحال المدير العام للديوان الجزائري للحبوب، حيث يعتبر استئناف الجزائر تصدير الشعير ينطوي على أكثر من دلالة إيجابية، خصوصًا أنّ البلاد صارت ndash; بحسبه - تتوافر على ما يكفي من الشعير لتغطية ما يعادل احتياجات السوق المحلية لمدة سنتين، فضلاً عن هامش واسع لتحريك قاطرة التصدير.

ويشرح كحال أنّ محصول هذه السنة يفوق القدرات التصديرية للجزائر من الحبوب، لذا ستتولى عمليات التصدير، وسينعكس هذا الاكتفاء الذاتي في القمح الصلب والشعير نوعيًا، من خلال تخفيض فاتورة الجزائر من واردات الحبوب من 3.5 مليارات دولار إلى حوالى 1.5 مليار دولار، أي توفير فائدة تربو عن الملياري دولار.

ويلفت محدثنا إلى أنّه بإمكان الجزائر أيضًا أن تحد من استيراد القمح اللين، وترفع تحدي الاكتفاء الذاتي منه مستقبلاً، إذا ما استطاعت أن تزيد في المساحات المخصصة للحبوب الخاضعة للمضاربة، وهذا ما قد يتأتى تحقيقه، حال تطبيق مشروع قانون العقار الزراعي بثوبه المستحدث.

بدوره، يبدي محمد عليوي الأمين العام لاتحاد المزارعين الجزائريين، تفاؤلاً بعودة جزائرية قوية إلى سوق الحبوب الدولية، تبعاً لكون الشعير الجزائري ممتاز للغاية، إذ يفوق المعايير الدولية سواء من حيث الوزن (68 % مقابل 62 %)، رطوبته (9 % مقابل 14.5 %)، وكذا ما يحتويه من بروتينات (9 % مقابل 7 إلى 8 %)، كما يشير عليوي إلى امتلاك الجزائر حظوظًا أوفر اليوم لتصدير الحبوب مع وجود شروط ومؤهلات أفضل من تلك التي كانت سائدة العام 1967، عندما صدرت الجزائر آخر شحنة لها آنذاك من القمح الصلب.

النظرة نفسها يؤيدها يحيى زان الأمين العام لاتحاد المهندسين الزراعيين الجزائريين، ويذهب إلى أنّ ما حصل من طفرة في مادة الشعير، أتى كنتيجة لإعادة ترتيب قطاع الحبوب في الجزائر، فالمنتوج قياسي وجهود الدولة متواصلة في صورة الدعم الذي أعطى مردودًا كبيرًا، ولا سيما من خلال التقنيات المستحدثة في الري، ما يجعل من تصدير الشعير مؤشرًا أكثر من إيجابي، ويمثل منطلقًا فارقًا لقطاعات أخرى.

على طريف نقيض، يتبنى خبراء الشأن الزراعي وجهة نظر معاكسة، ويلح كل من شريف ذويبي، وعبد الحق العميري، وهيثم رباني على ضرورة وضع إستراتيجية محلية متكاملة، من شأنها إنعاش منظومة الحبوب الجزائرية واستعادة مكانتها بشكل دائم وحاسم، ويتقاطع هؤلاء في تصريحات خاصة بـquot;إيلافquot; على حتمية توخي إستراتيجية موضوعية تنبني على الإمكانيات المتاحة والظروف المحيطة والاحتمالات المستقبلية.

ويشدد ذويبي، العميري ورباني أيضًا على إعادة تكييف الأنماط الزراعية السائدة لتتلاءم مع إمكانيات الإنتاج الزراعي القومي، علاوة على تكوين مخزونات لمواجهة أي نقص أو اضطراب محتمل، كما يشيرون إلى حاجة الجزائر لإجراءات فعالة تكفل تلافي أي انعكاسات على منوال أزمة الحبوب الناشبة العام قبل الماضي، وذلك لن يتأتى إلاّ بمباشرة إصلاح عميق يعيد الاعتبار للآلة المنتجة في الجزائر.