لأنّها تمتلك ثروة هائلة من الجلود، الأخشاب، والمنسوجات، تنوي الجزائر توسيع رقعة منتجاتها المصنّعة، وهو ما يراه متعاملون وأخصائيون تحدثوا لـquot;إيلافquot; مرهونا بالاستغلال الأمثل للمواد الخام ومضاعفة حجم المصانع والمخصصات المرصودة للاستثمار في حركة التصنيع المحلية، بحكم قدرتها على امتصاص البطالة ودعم الدخل القومي خارج المحروقات.


الجزائر: يشير quot;بوعلام عميراشquot; إلى اهتمام بلاده باستغلال الجلود، وأول خطوة ستكون إعادة تأهيل مصانع الدباغة المنتشرة في أنحاء الجزائر، وتقدّر استنادا إلى إحصائيات رسمية بنحو 229 منشأة، بينها 138 وحدات مصغرّة شرعت في النشاط خلال الست سنوات الأخيرة. واستنادا إلى عميراش، تقوم الخطة على تحفيز المتعاملين المحليين لا سيما الخواص على استغلال وعاء ضخم من الجلود، وتعتزم الحكومة استحداث قروض لدعم أولئك المهتمين بخلق مؤسسات مناولة مختصة بدباغة الجلود، ويبرز محدثنا ضرورة تسريع الارتقاء بمنظومة الجلود، تبعا لاتساع ما سماها quot;الفجوة التسويقيةquot; وحتمية تحقيق الاكتفاء الذاتي بما يفرض إعادة هيكلة مصانع الجلود .

ومرت وحدات انتاج الجلود بظروف صعبة قبل أعوام، بسبب إشكالات مالية وأخرى متعلقة بالتموين، مع الإشارة إلى أنّ إنتاج الجلود في الجزائر ظلّ يتراوح بين 35 و40 ألف طن، غالبيته يصدّر دوريا إلى الخارج دون الاستفادة منه محليا، في وقت تعدى الطلب المحلي مستوى العرض. من جهته، يشير quot;سمير حرجانيquot; إلى وجود إمكانيات لاستغلال الرافد الضخم من الجلود، محيلا إلى أهمية التوظيف العقلاني لرصيد آلاف الدباغين المحليين الذين يخوضون في اختصاص الدباغة النباتية ونظيرتها المعدنية الأكثر انتشارا، إضافة إلى الدباغة المختلطة التي تستخدم في إنتاج الملابس الجلدية والقفازات، فضلا عن الدباغة الزيتية التي تنتج السروج والجلود المختلفة كالأحذية والأحزمة والقفازات والمعاطف والقبعات والقمصان، تصدّر غالبيتها إلى الأسواق الخارجية.

وعلى منوال الجلود، تعوّل الجزائر أيضا على دفع صناعة النسيج، ويشير quot;نايت عبد العزيزquot; رئيس الكونفيدرالية الجزائرية لأرباب العمل، إلى ارتفاع الطلب المحلي على المنسوجات والملابس الجاهزة خلال السنتين الماضيتين، وهو ما يفرض خطة مغايرة تتجاوب مع النسقية العامة، خصوصا مع امتلاك الجزائر مقومات النجاح في صناعة النسيج. ويلفت نايت إلى مخطط أعمال يمتد إلى العام 2016 ، يقوم على إقامة مصانع جديدة للنسيج، وخلق أقطاب صناعية، مع تشجيع إنشاء مؤسسات مصغرّة ومتوسطة متخصصة في النسيج، وهو ما سيسهم بنظر quot;عبد الرحمان عماريquot; المسؤول عن تسيير حقيبة مؤسسة تسيير مساهمات المنتجات المصنعة، في خفض كلفة الواردات، ودعم الآلة الإنتاجية المحلية.

وتمتهن 66 بالمائة من العوائل في جنوب البلاد، حرفة النسيج، وترتفع النسبة أكثر في محافظة الجلفة (300 كلم جنوب العاصمة)، حيث تعتمد 83 % من العوائل هناك على مداخيل منتجات الوبر والصوف، فيما يقدّر معدل الإنتاج السنوي بحدود 30 ألف قطعة منسوجة يدويا كل عام، ويعتبر النسيج بأنواعه، بين الأنشطة الاقتصادية ذات الدخل المتجدد، احتكاما إلى ما تدره من موارد مجزية. وإلى جانب الجلود والنسيج، تأمل السلطات بترقية صناعة الخشب التي لا زال عطاؤها دون المستوى المأمول، قياسا بثروة البلد المعتبرة من مادة الخشب، وخلافا لما غلّف الفترة الماضية من إفراط في الاستيراد بدل دعم المنتوج المحلي، تتجه النية إلى إعادة تأطير ما يزيد عن الخمسة عشر آلاف عامل وحرفي يتوزعون على 22 ولاية.

ويؤكد quot;علي دروالquot; مسؤول الفيدرالية الجزائرية لعمال مواد البناء والخشب والفلين، أنّ التحدي يكمن في إنعاش آلة الإنتاج المحلية التي تشكو من ضعف كبير، لذا ينبغي تجاوز سقف المائتي ألف طن سنويا التي لا تمثل 15 بالمائة فقط من إجمالي طلب السوق المحلية والمقدّر بـ1.5 مليون طن، علما أنّ الديوان الحكومي للإحصائيات أعلن عن بلوغ رقم أعمال صناعة الخشب 12 مليار دينار سنويا (ما يعادل 12 مليون يورو).

وشهد قطاع الخشب نزيفا حادا برحيل 20 ألف عامل خلال التسع سنوات الماضية، إثر حل مجمع الخشب المملوك للحكومة وتصفية أحد عشر مجموعة، بالإضافة إلى هاجس غلاء المواد الأولية الذي أربك المنتجين وزاد من معاناتهم الضرائب العالية التي أثقلت ولا تزال تثقل كواهلهم.

ويرى quot;أنيس بن مختارquot; أنّ استعادة الجزائر لمكانتها القديمة كثالث دولة مصدّرة للخشب عالميا، يفرض إنفاق المليارات في تقوية جهاز الإنتاج واستثمار أربعة ملايين هكتار من النسيج الغابي لتغيير الوضع الحالي للقطاع. ويتصور بن مختار أنّ الرهان الأساس يتمحور حول تمكين آلاف الشباب من الاستثمار في تحويل الخشب الخام، بدل الإمعان في استيراد لن يضيف إلاّ المزيد من الأعباء، حيث قفزت واردات الجزائر من الخشب إلى نحو نصف مليار دولار خلال العام الأخير لقاء استيراد 930 ألف طن من الخشب ومشتقاته.

ويشير مختصو الشأن الاقتصادي في الجزائر، إلى أنّ الجزائر التي تعاني من بقاء نسبة البطالة عالية في أوساط شبابها، يتعيّن على حكومتها التفكير في تمويل الأنشطة المتصلة بقطاع الخشب ومشتقاته الذي تظلّ جدواه الاقتصادية أكيدة، وذلك يمرّ بحسب الخبير quot;عبد الحق لعميريquot; عن طريق توسيع ممارسة صناعة الخشب وإخراجها من أزمتها الحالية عبر انفتاح أكبر من القوى العاملة، وإنشاء 50 ألف مؤسسة مصغرة سنويا على الأقل. ويدعو quot;إبراهيم باجاquot; إلى التثمين التكنولوجي لعديد الأنواع من الخشب التي تكتنزها الجزائر، بينها الخشب الصلب الذي يمكن توظيفه في إنجاز أشياء مركبة، وما لذلك من أدوار يمكن أن تلعبه ضمن النشاط الاقتصادي العام.

ويرفض quot;أنيس نواريquot; حصر المنتجات المصنّعة في ثلاثية الجلود والأخشاب والمنسوجات، مستدلا بقدرة السلطات على دفع منظومة إنتاج الورق المموج والكلور والصودا وتقويم الألياف المسترجعة والكرتون والأوراق القديمة، كما الخزف، في صورة ما تمتلكه المؤسسة الجزائرية للخزف وتمكنها من إيصال قدرتها الإنتاجية إلى مليوني قطعة في السنة والكم مرشح للارتفاع، بما يرشحها لتحقيق عائدات أكبر سيما في ظل الطلبات المتزايدة من دول عربية وإفريقية.