تهتم الجزائر حالياً بتشجيع الشباب على إنشاء مستثمرات زراعية خاصة لإنعاش واقع قطاع ظلّ يعاني من الركود رغم كل المليارات التي أنفقت عليه خلال السنوات العشر الأخيرة،quot;إيلافquot; سألت مسؤولين حكوميين وكوكبة من المستثمرين الشباب وناشطي الزراعة حول النتائج المرتقبة لهذه المستثمرات، ولمسنا إجماعا بأنّ الخطة تتموقع كفرصة استثنائية لاستحداث مناصب عمل وتحقيق الأمن الغذائي، وتؤشر على تحول في استثمار العقار الزراعي وتطوير الإنتاج المحلي شريطة جدية سيرورة هذه المستثمرات حتى لا تجترّ أخطاء الماضي.


الجزائر: عرضت السلطات في الفترة القليلة الماضية ما يزيد عن المائة ألف مستثمرة زراعية للاستغلال على مزارعين غالبيتهم من شريحة الشباب، وتأتي العملية بموجب القانون الجديد حول الأراضي التابعة للدولة الذي دخل حيّز التنفيذ قبل ثمانية أشهر، ونصّ في خطوطه الكبرى على تحويل حق التمتع الدائم للمستثمرات الزراعية إلى حق الامتياز لمدة 40 سنة قابلة للتجديد والرهن.

ويصف وزير الزراعة الجزائري quot;رشيد بن عيسىquot; المستثمرات الناشئة بـquot;الواعدةquot; تبعا لإسنادها إلى شبان ظلوا ينشطون في مكاتب دراسات متخصصة كمستشارين زراعيين، وهو ما سيمكّن هؤلاء المطلعّين على خبايا الميدان من دعم ديناميكية التجديد الزراعي والريفي، سيما مع استفادتهم من قروض بنكية مشجّعة للتشغيل في القطاع وتوسيع القواعد المنتجة.

ويركّز بن عيسى على أنّ مفاتيح نجاح هذه المستثمرات النموذجية، بيد الشباب المدعوين للتجند من أجل quot;الريادةquot; من خلال الإجادة في استصلاح الأراضي وتسييرها واستغلالها، على درب عصرنة الزراعة الموسومة بكونها quot;رئة الاقتصاد المحليquot;.

كما يلّح المسؤول الأول عن قطاع الزراعة في الجزائر، على حساسية اندراج مكاتب الدراسات ضمن التصور الجديد للمستثمرات، حيث يتعين عليها مرافقة المزارعين بما ينعكس نوعيا على زراعة الحبوب وتربية المواشي والاقتصاد الزراعي، حتى تتجسد مرامي

بدوره، يجزم quot;شريف بن حبيلسquot; أنّ المستثمرات الزراعية ستشجع أصحابها على الإنتاج و تحديث التجهيزات الزراعية وخاصة تسوية وضعية آلاف المستثمرات التي بقيت مُهملة، ما يؤشر على تغير الساحة الزراعية المحلية في غضون 18 شهرا، وهي مدة تمثل المهلة التي منحتها الدولة لصالح الشبان الذين يريدون استغلال الأراضي عن طريق الامتياز.

ويثمّن بن حبيلس المدير التقني للتأمينات بالصندوق الجزائري للتعاضد الزراعي، روح المبادرة التي تمكّن من استقطاب مزارعين شباب وتحفيزهم على الاندماج في صيغة جديدة مربحة تمنح أكثر استقلالية للمستثمرين وتفسح لهم المجال لإقامة شراكات.

واستبعادا للشكوك التي تحوم حول تكرار ما شهدته الجزائر خلال الفترة الماضية من تحويل آلاف المستثمرات الزراعية عن مهمتها، يشير quot;علي حمداويquot; مدير المصالح الزراعية أنّ المسألة خاضعة لدفتر شروط صارم، ما جعل الديوان المحلي للأراضي الزراعية يقرّ 42 بالمائة فحسب من آلاف الطلبات المرفوعة.

ويؤكد حمداوي أنّ الملفات التي تشكّل مشكلات، ولا تتوافر على الشروط المطلوبة، ليست قانونية ولن يتم التعامل معها، مشددا على حتمية حيازة المعنيين لعقود امتياز قانونية لمستثمراتهم موضحا أنّه لن يتم الاعتراف بمشروعية كل عقد لم يتم اعتماده على مستوى الجهات المختصة.

ويتصور حمداوي أنّ التسيير الجديد سيحمي كلا من المزارعين والأراضي الزراعية حتى لا يتم التضحية بها لفائدة التوسع العمراني، وتقدّر مساحة هذه الاراضي بحدود 2.5 مليون هكتار كانت تسير إلى غاية تموز/يوليو 2010 في شكل مستثمرات زراعية جماعية وفردية، بعد تصفية التعاونيات الزراعية التي تأسست في سبعينات القرن الماضي حينما تبنت الجزائر المنهج الاشتراكي وأطلقت quot;الثورة الزراعيةquot; التي انبثقت هي الأخرى عن أملاك ظلت مسيّرة ذاتيا غداة استقلال الجزائر سنة 1962.

ويذهب مستثمرون إلى إبداء قناعتهم بأنّ المستثمرات الوليدة ستشكّل نقطة انطلاق شوط آخر لتنمية الزراعة، ويرى quot;سعيد خطّابquot;:quot;منح عقود الاستغلال عن طريق الامتياز تمكننا من العمل بكل آمانquot;، ويؤيده quot;جمال بوفريوةquot; بالقول:quot;علينا الآن التشمير على السواعد والعمل بتفانquot;، فيما يرى quot;عبد القادر فاصوليquot; هذا التغيير في تسيير أراضي تابعة للدولة فأل خير، تبعا لتعبيدها الطريق أمام استثمار عقلاني للعقار الزراعي وما ينتج عن ذلك من تطوير عام.

من جانبه، يلاحظ quot;زهير عواليquot; أنّه مع مسح ديون المزارعين والمرونة التي تعاطتها السلطات في تفعيل الاستثمار الزراعي، لن يكون لناشطي القطاع أي مبررات للفشل مستقبلا، خصوصا مع تذليل معضلة التمويل البنكي للمشروعات، الأمر الذي لم يكن ممكنا في السابق، بيد أنّ عوالي يحيل على حتمية المتابعة الميدانية والدائمة حتى يتم قطع الطريق على أي استنساخ للانحرافات.

ويتوقع خبراء أن يكون الموسم الزراعي الحالي جيدا بالنسبة لإنتاج الحبوب، احتكاما إلى الظروف التقنية والمناخية، ما يؤذن بإنتاج وفير من القمح الصلب والشعير، ويشاطر quot;نور الدين كحالquot; المدير العام للديوان الجزائري المهني للحبوب، هذا التفاؤل بقوله أنّ كافة بوادر موسم ناجح متوفرة، تبعا لارتفاع طاقة التخزين والتجهيزات المجندة، وتميّز موسم (2010-2011) بمستوى عال فيما يخص توزيع البذور الذي تضاعف مقارنة بالسنة الفارطة (1.5 مليون قنطار سنة 2011 مقابل 750 الف قنطار سنة 2010).