أتى انفجار فضيحة تحويل آلاف الهكتارات من الأراضي الزراعية في الجزائر ليعرّي واقع قطاع استراتيجي لطالما تغنّى مسؤولوه بحيويته، بيد أنّ بيانات توافرت لـquot;إيلافquot; تؤكد مدى هشاشة القطاع ومحدوديته وسط تنامي ظاهرة quot;المزارعين المزيفينquot;.


الجزائر: يطرح متعاملون وخبراء العديد من التساؤلات حول المليارات التي جرى إنفاقها منذ العام 2001، في الجزائر، ولم تنتج سوى الفشل ومضاعفة التبعية الغذائية، التي يُتوقع ارتفاعها إلى حدود 15 مليار دولار بحلول العام 2015.

في فصل جديد من مسلسل quot;المزارعين المزيفينquot;، تفيد كشوفات رسمية أنّ الجزائر شهدت خلال الفترة الماضية تحويل آلاف المستثمرات الزراعية عن مهمتها، ومن بين 21 ألف (مستثمر) استفادوا من حق استعمال الأراضي التابعة لأملاك الدولة، هناك ما لا يقلّ عن 11.900 لديهم قضايا عالقة على مستوى القضاء تبعًا لتورطهم في ممارسات غير قانونية، أهمها تحويل تلك الأراضي وإقدامهم على بيعها لأشخاص آخرين.

ويذهب أحمد علي المدير المركزي على مستوى وزارة الزراعة الجزائرية، إلى أنّ تطبيق القانون رقم 03-10 المؤرخ في 15 آب/أغسطس 2010، والمحدد شروط وطرق استغلال الأراضي الزراعية، سمح بكشف الآلاف من عمليات تحويل الأراضي الزراعية عن طبيعتها.

في حين يؤكد ناشطون في القطاع أنّ ما خفي كان أعظم، في صورة فضيحة تبديد 70 مليارًا (ما يعادل 70 مليون يورو) في الصندوق الوطني للتعاون الزراعي، ما أدى إلى إفلاس الأخير، وهو محذور لم يتم الكشف عن كل خيوطه، تمامًا مثل ما غلّف تسيير الديوان المهني للحبوب.

إلى ذلك، كشف يوسف فتني رئيس المنتدى الجزائري لمكافحة الفساد عما يسميه quot;تحويل أموال الدعم الزراعي إلى غير وجهتهاquot;، في ظلّ الوجود المكثف لمن يُعرفون بـquot;الوسطاءquot;.

ويتساءل فتني عن مؤدى تحقيق باشرته السلطات قبل فترة حول quot;المزارعين المزيفينquot;، ويتعلق الأمر بثمانين ألف مزارع quot;مزيفquot; استفادوا في الفترة ما بين 2001 و2007 من قروض زراعية من دون أن يظهر لها أي أثر في الميدان، ليقوم الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في فبراير/شباط 2009، بمسح ديون 78 ألف فلاح بقيمة مالية إجمالية فاقت الـ37 مليار دينار (بحدود 373.9 مليون دولار)، في خطوة أثارت الكثير من الجدل، ووصفها متخصصون بـquot;العبثيةquot;.

ووفقًا لبيانات الغرفة الجزائرية للزراعة، جرى حذف 7399 مزارع من السجلات، بينهم 4150 في إطار تطهير طال من حوّلوا أموال الدعم الزراعي إلى أغراض أخرى، علمًا أنّ ما يزيد عن 20 ألف (مزارع) يُشتبه في كونهم quot;وهميينquot; ما زالوا يخضعون إلى تحقيقات، إثر استفادتهم من قروض الصندوق الجزائري لدعم الإنتاج الزراعي، ولم يكلفوا أنفسهم عناء تسديدها.

فيما تهلل السلطات لإنشاء مستثمرات زراعية جديدة، يطالب يوسف مجكقان بفتح ملف ثلاثمائة ألف مستثمرة أنشئت بموجب المخطط المحلي لدعم التنمية الزراعية، وما ينتاب هذه المستثمرات من تجاوزات وثغرات على حد تعبيره، وتبدو القضية شائكة تبعًا لكونها تمسّ 2.7 مليون هكتار جرى توزيعها في إطار مستثمرات فردية أو جماعية، والنتيجة أنّ الجزائر تستورد 60 % من حاجياتها الغذائية كل عام.

في مقابل تشديد أحمد علي على أنّ قانون استغلال الأراضي الزراعية سيضع حدًا للتلاعبات، مثلما سيسوي بحسبه الكثير من مشكلات القطاع نهائيًا، يثير متعاملون استفهامات ملّحة بشأن ما يكتنف quot;البطاقية الوطنية للمزراعين وعموم القائمين على المستثمرات المهملة أو تلك التي هي محل ممارسات مشبوهةquot;.

ويتساءل جمال إرزي عن الظروف التي تمّ فيها منح هذه quot;البطاقياتquot; إلى آلاف الأشخاص الذين أثبتت التحريات عدم مزاولتهم أي نشاط زراعي، ومع ذلك كانوا الأوائل على لائحة الدعم، إلى جانب تجاوزات شهدتها ولايات سهبية جرى فيها نهب عقارات زراعية، كما هو الحال في منطقتي الجلفة وتيبازة.

وإذا كانت الحكومة الجزائرية أجهدت نفسها خلال الأشهر الأخيرة في إبراز فضائل قانون العقار الزراعي وتقديمه كوصفة سحرية بإمكانها إخراج القطاع من قوقعته وإنعاش الإنتاج الزراعي ككل، إلاّ أنّ الناشطين لا يسمعون الأمر بالأذن نفسها، حيث لا يستسغ متعاملون اعتبار المزارعين quot;مستأجرًينquot; للأراضي لمدة لا تتجاوز الأربعين عامًا بدلاً من 99 عامًا مثلما كان معمولاً به.

يذهب صالح قايد المتحدث باسم اتحاد quot;المزارعين الجزائريين الأحرارquot;، إلى أنّ الخطوة تنطوي على محاذير وتستكمل بمنظاره شروخ ماضية، ويبني قايد حكمه بناء على تجريد القانون لغالبية المزارعين من ملكية مستثمراتهم من زاوية quot;إعادة النظر في عقود استغلال هذه المستثمراتquot;.

كما يعتقد يحيى زان الأمين العام لاتحاد المهندسين الزراعيين الجزائريين، أنّه كان الأجدر توخّي استيراتجية محلية شاملة تقضي على العراقيل، التي حالت دون نشوء استثمارات كبيرة في القطاع الزراعي، وأبقته رهين استثمارات عائمة وضعيفة جدًا.

هذا وتقدر المساحة الزراعية الإجمالية المستغلة في الجزائر بـ47.5 مليون هكتار، بينها 32 مليون هكتار من الأراضي الرعوية و7 ملايين هكتار من الغابات والجبال، علمًا أنّ 5.7 ملايين هكتار من الأراضي الزراعية تابعة للخواص.

وبلغ إنتاج الجزائر من الحبوب خلال العام الأخير حوالي 45 مليون قنطار، وهو ما مثل تراجعًا بحوالي 27 %، خاصة بسبب التراجع المهم لمحاصيل الشعير، في وقت تفاخرت السلطات باستئناف تصدير الشعير بعد 43 سنة من الانقطاع.