يلاحظ متابعون تحدّثوا لـquot;إيلافquot; أنّ حصاد الجزائر الاقتصادي للعام 2010، طغت عليه بشكل خاص تداعيات إنفجار فضيحة المجموعة البترولية quot;سوناطراكquot;، وما أفرزته من ضجيج لم يكشف عن كل أسراره، إلى جانب ما ولّده لغز quot;جازيquot; العلامة التجارية لـquot;أوراسكومquot;.


الجزائر: رغم نجاح الجزائر في ترجيح كفة ميزانها التجاري، إلاّ أنّ المخصصات الضخمة لم تحرّك كبرى المشروعات المحلية النائمة، مثلما لم تحول دون تراجع الاستثمارات الأجنبية بشكل محسوس.

وإذا كانت الجزائر بلسان عبد المالك زبيدي المدير العام لسياسات التوقعات في وزارتها للمالية، باشرت سنة 2010 بوفرة مالية، بدا معها أنّ الدولة لم تتأثر بإنعكاسات الأزمة المالية الكونية، إلاّ أنّ كثيرًا من ورش المخطط الرباعي (2005 ndash; 2009) التي كان من المفترض تسليمها العام 2009 ليتم تأخيرها إلى سنة 2010، تأجلت مجدداً إلى أجل غير مسمى، حتى وإن بلغت قيمة الإنفاق العام مستويات قياسية.

أرقام ودلالات
بلغ معدل النمو الاقتصادي لهذا العام 4% تبعاً لتراجع الطلب العالمي على الغاز الطبيعي، بحسب تفسير وزير المالية كريم جودي، وسجلت الجزائر على مدار الـ12 شهراً المنقضية فائضاً تجارياً بحدود 20 مليار دولار، حيث قدّرت قيمة صادراتها بـ57 مليار دولار (غالبيتها من المحروقات)، فيما إنخفضت وارداتها إلى سقف 37 ملياراً، خلافاً للعام 2009 الذي شهد فائضاً بخمس مليارات دولار فحسب (43 مليار دولار صادرات مقابل 38 مليار دولار واردات).

كما إنخفض دين الجزائر الخارجي إلى 380 مليون دولار، بعدما كان بحدود الأربع مليارات دولار قبل ثلاث سنوات وما ترتب عن ذلك من إسقاط عبئ الديون، وقد إرتفع معدل التضخم في الجزائر خلال الثلث الأول من 2010 إلى 6.1 %، ليتراجع إلى 5.7 % بنهاية العام الجاري، وهي نسبة أرجعها الوزير الأول أحمد أويحيى إلى المضاربة في المواد الإستهلاكية، نافياً أن تكون لها صلة بحركية الإقتصاد.

بيد أنّ الخبير أنيس نواري ينفي صحة ذلك، ويشير إلى صدق توقعات بعثة صندوق النقد الدولي التي زارت الجزائر أواسط السنة الماضية، وحذرت سلطاتها من كون quot;توسيعها للموازنةquot; سيعرض البلد لخطر تفاقم التضخم، في وقت تتباهى الحكومة الجزائرية بتحكمها في التوجهات الاقتصادية والمالية العامة في البلاد.

ويبرز نواري أنّ تنامي وتيرة التضخم مردودة إلى الإرتفاع الكبير في أسعار المواد الغذائية، بزيادة قدرها 8.9 %، والملحوظة عينها تنسحب على المنتجات الزراعية الطازجة، التي قفزت أسعارها بـ17.6 %، تماماً مثل الخدمات بـ5.9 %، والمواد نصف المصنّعة بـ1.9 %.

وبالتزامن مع إتساع رقعة الفقر، تعاني 950 ألف عائلة هذه الظاهرة، أي ما يمثل 22% من المجتمع الجزائري (قوامه 36 مليون نسمة)، حيث يخشى مراقبون للأسواق المحلية، أن يبقى معدّل التضخم مرتفعاً، وما سيترتب عن ذلك من إنعكاسات، تبعاً لكون إلتهاب الأسعار ينهك كاهل شريحة كبيرة من المجتمع المحلي، لا سيما فئة الموظفين محدودي الدخل.

في حين تشهد الجزائر تردياً واضحاً في وضعها الإجتماعي جرّاء إنتشار البطالة (الحكومة تحصرها في 10.2 %، فيما ترفعها هيئات غير رسمية إلى 25 %).

وشهدت المواد الواسعة الإستهلاك خلال العام 2010، إرتفاعات جنونية، لم تسلم منها الزيوت والسكر واللحوم والدقيق بنوعيه إضافة إلى الخضر، ما ضاعف معاناة المستهلكين البسطاء، رغم حديث السلطات المتكرر عن تسقيف الأسعار، وجزم وزير الزراعة رشيد بن عيسى بوجود مخزون كافي، في وقت تعاني الجزائر تبعية غذائية شبه مطلقة عرّّتها أزمة الحليب المستمرة.

اللافت أنّ الجزائر بقيت ضمن البلدان التي يتمحور فيها متوسط دخل الفرد الأدنى بحدود 1500 و2000 دولار سنوياً، أي بمعدل تسعة دولارات في اليوم، هذا بالرغم من تصنيف الدولة إلى جانب الدول النفطية على غرار البحرين والكويت والإمارات التي يتمحور معدل دخل الفرد فيها بأكثر من تسعة آلاف دولار.

معضلة quot;الاستثمارات البواقيquot;
رغم أنّ الفريق الحكومي الحالي جرى الحفاظ على نحو 90 % من تركيبته منذ العام 2004، إلاّ أنّ هذا الإستقرار لم يكن له أثر على صعيد تجسيد حزمة من البرامج الإنمائية، التي كان يُفترض تسليمها قبل أبريل/نيسان 2009، وصنفتها السلطات كـquot;إستثمارات بواقيquot; للسنوات المقبلة.

يأتي في صدارة المشاريع الغير مستكملة مشروع مترو الأنفاق، الذي حبس الأنفاس، ويثير كثيراً من التساؤلات حول آجال جاهزيته. وفيما يؤكد وزير النقل الجزائري عمار تو أنّ نسبة تقدم أشغال إنجاز أول خط مترو في البلاد تقدر بـ95 %، فإنّ واقع الأمر أثبت عكس ذلك، ومدّدت من عمر ورشة المترو الذي جرى الشروع فيه قبل 28 عاماً إلى سنة إضافية، قد تكون العام 2011.

بل وتذهب مراجع محلية إلى أنّ المشروع سيتأخر إنجازه إلى غاية العام 2014، وهو ما يعني أنّ هذا المشروع سيدخل منعطفاً لا منتهي، رغم رصد السلطات لمخصصات وصلت بحسب مصادر غير رسمية إلى حدود المليار دولار، إلى جانب ما جرى توفيره من إمكانات بشرية وتقنية ضخمة.

وحال المترو ينسحب كذلك على عدد من مشاريع الإنشاءات العامة على غرار حكاية المليوني وحدة سكنية، وكذا ما سُمّي بـquot;مشروع القرنquot;، ويتعلق الأمر بـquot;الطريق السيار شرق/غربquot; الذي إستفاد من أحد عشر مليار دولار كغلاف ضخم، إلاّ أنّه لم يرى النور بعد، علماً أنّه كان من المفترض تجسيد المشروع بالكامل مطلع سنة 2009، إلاّ أنّ آجال إنجازه تأخرت لإعتبارات لا تزال مجهولة، تماماً مثل مشروعات أخرى أبرزها الطريق العابر للصحراء، وطريق الهضاب العليا، وعدداً من الطرقات الإجتنابية، إضافة إلى إزدواجية الطرق الوطنية (شمالاً وجنوباً) التي كان من المقرر إتمامها خلال الفترة السابقة، وجرى توسيع آجالها بخمس سنوات إضافية.

ويعلق أنيس بن مختار أنّ quot;الإنفاق كبير والنتائج هزيلة، ويستغرب عقلية الإرجاء رغم توافر المخصصات المالية، ما يعني أنّ مشاريع أنفاق وجسور وموانئ، لن يتم تتويجها إلاّ بحلول العام 2014، بكل ما ينطوي على ذلك من تبديد للوقت وتبذير للمال.

في هذا الصدد، رصدت الحكومة مخصصات بقيمة 285 مليار دولار برسم البرنامج الإنمائي التكميلي (2010 ndash; 2014)، وهو إنفاق إستثنائي غير مسبوق، جرى إقتطاع 130 مليار دولار منه لإتمام برامج جرى الشروع فيها سنة 2006، بعدما تطلب الإستمرار في تنفيذها مخصصات مالية إضافية تقدر بـ1270 مليار دينار (أكثر من 17 مليار دولار)، جرى ربطها بندرة العقار ونقص نضج المشاريع.

يتفق الخبيران سليم لعجايلية وسمير عودية على أنّ quot;الإستثمارات البواقيquot; تؤكد عجز القائمين على إدارة المشاريع عن إمتصاص المخصصات المرصودة لها وتوظيفها بعقلانية، وهو دليل على أنّ المشروعات الكبرى لم تتم خلافاً لتباهي السلطات بإتمام مختلف ورش الفترة (2005 ndash; 2009).

quot;مسلسلquot; جازي يخلط الأوراق
أثار ما تعانيه quot;جازيquot; العلامة التجارية لمجموعة الاتصالات المصرية quot;أوراسكومquot;، خلال الأشهر العشرة الأخيرة، قدراً كبيراً من اللغط المثير، ولا يفهم أنيس نواري كيف إنقلب وضع أوراسكوم من النقيض إلى النقيض، حيث نجحت في فرض نفسها منذ دخولها السوق الجزائرية العام 2001، وظلت جازي إحدى العلامات التجارية الأكثر دخلاً للمتعامل المصري العملاق على مدار السنوات التسع المنقضية. وهو ما أبرزه تصدر أوراسكوم سوق الهاتف الخلوي في الجزائر إثر إستقطابها 63.7 % من مشتركي المحمول في الجزائر.

يدرك الجميع أنّ بداية أفول نجم أوراسكوم في الجزائر، كان في ربيع 2008، حينما أقدم آل ساوريس على بيع مصنع الأسمنت في محافظة المسيلة (330 كلم شرق) للمجموعة الفرنسية ''لافارج'' سنة 2008، دون إستشارة السلطات الجزائرية، وهو قرار أغضب الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة.

الحاصل، أنّ خطة السلطات الجزائرية لشراء جازي، بعد إستخدامها ما يُعرف بـquot;حق الشُفعةquot;، لا تزال محاطة بجدار من المعوقات، جعل من quot;تتويجquot; العملية مؤجلاً، وقد يتأخر إلى أمد أطول.

في حين يشدد الوزير الأول أحمد أويحيى على أنّ بلاده ستشتري جازي بصفة نهائية لكن بصفة مشروطة، وبعد إخضاع قيمة الصفقة لتقييم شامل، مثلما هو متعارف عليه عالمياً، كما ويربط حسم شراء العلامة التجارية للمتعامل المصري بتصفية أوراسكوم لوضعها الجبائي المعقّد، وتطبيق قرار القضاء الجزائري في إقدام أوراسكوم على تحويل 190 مليون دولار نحو الخارج، وهو ما تعتبره الجزائر مساساً بقانون رؤوس الأموال نحو الخارج، ودفع أوراسكوم لـ20 % من قسيمة الربح عند الشراء، ما سيسمح بأن تصبح جازي شركة جزائرية.

تبدو الوضعية معتمة، في ظلّ تلويح قائد مجموعة أوراسكوم باللجوء إلى quot;تحكيم دوليquot;، وتأكيد مسؤولين حكوميين جزائريين أنّه لا يمكن السماح بتضييع مصالح الاقتصاد الجزائري، لا سيما وأنّ أوراسكوم ممنوعة من تحويل الفوائد منذ سنتين لعدم تصفية أمورها مع الجباية، ووجودها في حالة خرق لقانون التحويلات المالية خارج الجزائر.

قنبلة اسمها سوناطراك وإجراءات لم تؤت أكلها
يذهب سليم لعجايلية وسمير عودية إلى أنّ القرارات الموصوفة بـquot;التصحيحيةquot;، التي إتخذتها الجزائر منذ صيف 2009، لم تؤت أكلها، وتسببت في نتائج عكسية على غرار العزوف الملحوظ للمستثمرين الأجانب عن إقتحام السوق الجزائرية.

ورغم إقرار الجمعية الوطنية (البرلمان) لخمسة قوانين دعمت بمنظار السلطات حرب الدولة على الفساد، وإعتماد القانون المتعلق بالوقاية من الفساد ومكافحته ليعزز دور الديوان المركزي لقمع الفساد، وكذا الهيئة المركزية للوقاية من الفساد التي جرى بعثها في مارس/آذار 2006، إلاّ أنّ فضائح المال العام إستمرت رغم الترسانة القامعة على الورق للمتورطين في الرشوة والغش الجبائي وسائر الممارسات المشبوهة.

وعلى رأس الفضائح التي هزت الشارع المحلي، ما عجّلت به التحقيقات التي طالت تسيير الشركة البترولية quot;سوناطراكquot;، وكشفت عن فضيحة كبرى في 13 يناير/كانون الثاني الماضي، لم يتم الكشف عن كل خيوطها، تبعاً لكون التحقيقات لا تزال مستمرة وأطاحت بأكثر من اسم في قمة هرم المجمع البترولي المذكور على خلفية منح صفقات غير مشروعة وتبديد أموال.