لحل إشكالية عدم توافق منظومة التكوين المهني مع عروض العمل في الجزائر، ينادي خبراء تحدثوا لـquot;إيلافquot; بحتمية توخي مقاربة جديدة في نمطي التكوين والتمهين على نحو يسمح بمعالجة معضلة استثمار القوى الشابة في الجزائر، ومواكبة احتياجات سوق الشغل هناك.


الجزائر: جنحت العديد من المؤسسات الاقتصادية والمصانع المحلية والأجنبية خلال السنوات الأخيرة، إلى استيراد يد عاملة أجنبية بمبرر عدم وجود يد عاملة محلية مؤهلة، وهو اعتبار دفع متابعين إلى طرح تساؤلات عن مدى جدوى رصد المليارات لتكوين آلاف الشباب كل عام في مؤسسات التكوين المهني، إذا لم يكن هؤلاء يستجيبون من حيث تخصصاتهم ومعارفهم للمعايير المطلوبة لدى عموم النشطين الاقتصاديين.وعليه يرى الدكتور quot;محمد بن عزوزquot; أنّ الرفع من مستوى التشغيل والتقليص من حدة البطالة في بلاده، ممكن من خلال إخضاع آليتي التكوين والتمهين لراهن سوق الشغل، والتركيز في السنوات القادمة على تخصصات بعينها تشهد نقصا محسوسا في الميدان، كما هو حال عديد المؤسسات والمصانع والورش في جنوب البلاد.

ويقدّر بن عزوز أنّ الرهان مرتبط رأسا بجعل مسار التكوين المهني وسيرورة المؤسسات متقاطعة بشكل يكفل تفعيل الكفاءات الاقتصادية والكف عن إنفاق أموال ضخمة على تكوين شباب يتم تصنيفهم لاحقا كأرقام إضافية في لائحة العاطلين عن العمل، وتحيين التكوين المهني يعني بمنظار بن عزوز الارتفاع بمستوى الأداء الاقتصادي، وتعزيز مناخ الأعمال، بما ينعكس إيجابا على السوق المحلية ككل.

من جانبه، يشير quot;جمال برشيشquot; إلى أهمية التركيز في المرحلة القادمة على تكوين كوادر متخصصة في التنمية التكنولوجية الخاصة بالفروع الإستراتيجية للاستهلاك الواسع، على غرار زراعة الحبوب وتحويل الحليب ومعاصر زيت الزيتون، خصوصا مع تأهب الحكومة لإطلاق 70 مزرعة نموذجية وثلاثة آلاف وحدة مضاعفة الحبوب، ومائتي وحدة مضاعفة بذور البطاطا، إضافة إلى مائتي مشتلة معتمدة، ناهيك عن معاهد تقنية ومراكز زراعية ستُعنى رأسا بمباشرة برامج انتقائية في مجال الحبوب والأعلاف والبقول وزراعة الخضر والكروم وتربية الأبقار والأحصنة والجمال. ويفيد برشيش أنّ إجراءا كهذا من شأنه السماح لمحترفي القطاع والمزارعين وكذا المربين بالاستفادة مما توفره مراكز التكوين، بالتوازي مع إعادة تحديد أدوار ونشاطات الغرف الزراعية، حتى يتم تكثيف الإنتاج وعصرنة تنظيم الفروع الزراعية الأساسية ذات الاستهلاك الواسع.

ويؤيد quot;حاتم قاسيquot; استحداث مقاربة جديدة في صيغة التكوين بواسطة التمهين بغية التأقلم مع احتياجات سوق الشغل المحلية، وتقضي هذه المبادرة بتوسيع دائرة عروض التكوين ضمن أنساق منتجة مثل الزراعة والتصنيع، وبحسب قاسي يمكن للولايات الجنوبية مثل ولاية بسكرة (560 كلم جنوبي شرق العاصمة)، أن تتحول إلى قطب زراعي يستقطب كوادر مؤهلّة، بحكم توافرها على مؤهلات واعدة في مجال الزراعة المحمية تحت البيوت البلاستكية التي تحتاج إلى يد عاملة ماهرة. كما يشدد قاسي على تبني خطة تكوينية مغايرة لإحداث نقلة نوعية في خارطة التمهين ومواكبة متطلبات سوق العمل فضلا عن تلبية تطلعات معبّر عنها من جانب المتعاملين الاقتصاديين.

من جهته، يستهجن quot;موسى لحسنquot; عميد النحالين الجزائريين، عدم اهتمام عرابي التكوين المهني في الجزائر، بتكوين شباب يمكنهم الخوض في مهنة النحالة رغم مردودها الاقتصادي المجدي وإمكانية إسهامها في دعم مداخيل البلاد خارج المحروقات، لذا يدعو لحسن إلى إنشاء معهد خاص بتريية النحل يسمح للشباب بتفعيل القطاع أكثر، في ظل ما يعانيه الأخير من نقص المهنية والتكوين لدى ناشطيه.
بدوره، يبرز quot;جودي بوراسquot; رئيس قسم الأبحاث الاقتصادية على مستوى المجلس الجزائري الاقتصادي والاجتماعي، حتمية التفكير في هيكلة أفضل لسوق الشغل في الجزائر بما يضمن فاعلية وإنتاجية أكبر، لا سيما على مستوى النسيج المؤسساتي الاقتصادي المنتج، مضيفا أنّ تطور النمو الديموغرافي في الجزائر خلال السنوات القادمة يفرض أيضا التفكير في أنماط جديدة لعصرنة منظومة الشغل الجزائرية.

ولضمان الحفاظ على معدل بطالة في حدود أقل من 7 بالمائة خلال الأعوام العشرة القادمة، لا بدّ بحسب خبراء من تحقيق نسبة نمو سنوية لا تقل عن 6 إلى 7 بالمائة في الفترة بين 2010 و2020، وهو ما يتطلب انسجاما بين دعامتي التمهين والتشغيل، في ظلّ تسجيل نسبة عالية من البطالة وسط الشباب، وعدم إدماج النساء في سوق العمل خاصة في الوسط الريفي، وكذا الشغل غير المستقر وعدم توافق التكوين مع المؤهلات ومعطيات المرحلة. وأطلقت الوكالة الجزائرية للتشغيل، قبل فترة تحقيقا بالتعاون مع خبراء سويديين، حول حاجيات سوق التشغيل في قطاعات الزراعة والسياحة والإنشاءات العامة، من أجل وضع نماذج التحليل والتوقعات حول سوق الشغل، ومن ثمّ التمهيد لاستيعاب الشباب العاطل شرط أن يتمتعوا بالمهارة في مجال النشاط المقرر. وأفادت نتائج دراسة نُشرت قبل أشهر، إنّه بحكم اعتبارات خاصة تلف منظومة التشغيل المحلية، فإنّ غالبية الشباب حتى أولئك أصحاب الشهادات العليا على قبول وظائف دون مؤهلاتهم المهنية، وبغض النظر عن مدى ملائمة تلك الوظائف للشهادات المحصل عليها.

واستنادا إلى نتائج مسح شمل مليون عاطل في مجتمع محلي قوامه 36 مليون نسمة (ثلاثة أرباع سكانه يقلّ سنهم عن 25 عاما)، فإنّ نصف هؤلاء يمضون 24 شهرا فما فوق في البحث عن منصب عمل، فيما يستهلك 238 ألفا، سنة إلى ثمانية عشر شهرا في رحلة العثور على وظيفة، بالمقابل، يقضي 267 ألفا، سنة واحدة فما أقل للظفر بوظيفة. ويشير quot;منير خالد برّاحquot; المدير العام للديوان الجزائري للإحصائيات، إلى أنّ غالبية البطالين (76.7 بالمئة) يقبلون بأي عمل، وفي أي قطاع بغض النظر عن الشهادات المحصّل عليها، بالإضافة إلى قبول 74.3 بالمئة منهم بوظائف هي دون مؤهلاتهم المهنية، كما يقبل 73.3 بالمائة من العاطلين، وظائف بعيدة عن مقرات سكناهم، فيما يرضى 52.3 بالمئة منهم بأعمال شاقة. وتعتزم الحكومة خلق 59 ألف منصب شغل بين سنتي 2010 و2014، في وقت يقول الديوان الوطني للإحصائيات، أنّ عدد السكان في سن العمل الذين يعانون البطالة أو يبحثون عن عمل قد بلغ 000 374 1 شخصا من أصل 0