على مسافة أيام قليلة من الاحتفال بليلة رأس السنة الجديدة، احتدمت حركة الشراء كالعادة في الجزائر، وزادت بحسب مراجع محلية تحدثت لـquot;إيلافquot; عن مستواها العادي بثلاث مرات، فيما تشير استعدادات الفنادق والتجار ونجوم الغناء للمناسبة إلى تداولات ضخمة يُنظر إليها كفرصة لجني أرباح طائلة تعوّض حالة من الركود المزمن.


الجزائر: مع بداية العدّ التنازلي للاحتفالات في الجزائر بمناسبة عيد الميلاد (الكريسماس)، لم تشذّ الحالة العامة للمتاجر في البلاد عن القاعدة التي تكرّست على نحو متصاعد منذ سنوات طويلة، ورغم أنّ الاحتفال بليلة رأس السنة هو تقليد غربي محض، إلاّ أنّ قطاعًا واسعًا من المجتمع المحلي يواكب المناسبة بطريقة (مهرجانية) مثيرة، عبر الإنفاق ببذخ على الهدايا واللعب والشيكولاته وحجز أفضل الأماكن في المطاعم والفنادق والمنتديات.

على غرار العديد من طهاة الحلويات، يشير سمير وفوزي، اللذان يديران محلين للمرطبات في حيي باش جراح والعناصر وسط الجزائر العاصمة، إلى أنّ الطلبات على مختلف أنواع الكعك أضحت تفوق العرض، وهو ما عايشه العام الماضي. ويتوقع سمير أن يكون الإقبال أوسع هذه السنة، رغم الأسعار المرتفعة للحلوى الباريسية والنمساوية، التي تتراوح ما بين 800 و1200 دينار للقطعة الكبيرة (10 إلى 14 دولارًا)، وبلوغ بعضها مستويات خيالية، إذا ما جرى تضخيم حجمها وحشوها بالشيكولاته واللوز والجوز.

تتلهف عوائل تخطط للاحتفال داخل منازلها، على شراء سائر لوازم ليلة الكريسماس، ما دفع متابعين إلى التأكيد أنّ حجم المبيعات زاد بثلاث مرات عن مستواه العادي. ولدى جولة لـ quot;إيلافquot; بين محال الهدايا، لاحظنا اهتمامًا باقتناء شجرات الكريسماس الاصطناعية، التي لا يقل سعر الواحدة منها عن الألفي دينار (20 دولارًا)، لكن في حال رغبة الزبون في شراء شجرة أكبر حجمًا، فإنّه يكون مطالبًا بدفع ثمن مضاعف، قد يصل إلى مستوى قياسي بالنسبة إلى شجرة الميلاد الضخمة.

من جهته، يبدي جلول، وفتحي، وحمزة، وكذا سامية، وفريال، وغيرهم تصميمًا على مواكبة ليلة العيد بأفضل الحلل الممكنة، حتى وإن تطلب الأمر حرق جيوبهم. في هذا الشأن، لا يجد جلول، وهو العامل في إحدى الإدارات الحكومية، حرجًا من الكشف عن تخصيصه 30 ألف دينار (360 دولارًا) لإحياء quot;الحدثquot; في فندق راق برفقة عائلته الصغيرة، وهو خيار صديقه فتحي، بينما اختار حمزة إحياء الليلة في أحد المطاعم في وسط العاصمة.

طفرة فندقية وعائدات سياحية مرتقبة في الجنوب
على منوال السنوات القليلة الماضية، ستكون مختلف فنادق العاصمة الجزائرية والمدن الكبرى قبلة المحتفلين بليلة رأس العام، وقد شرعت هذه الفنادق في الاستعداد بشكل جدي للموعد، في محاولة للتعويض عن الخسائر التي تكبّدتها الصيف الأخير جرّاء اختزال موسم الإجازات إلى شهر واحد فقط بدلاً من ثلاثة، بحكم تزامنه مع مونديال كرة القدم ورمضان.

ولدى اتصالنا بمسؤولي العلاقات العامة لعدد من الفنادق الفخمة في العاصمة ووهران وبجاية، أكّد لنا كل من هشام مزياني، وإيمان عبد الكافي وحسام جرور، أنّ الإقبال على الحجز في الفنادق والمطاعم والنوادي الليلية يشهد رواجًا، لا سيما مع العروض التي أقرّتها إدارات الفنادق لاستدراج الزبائن.

واستنادًا إلى إفادات، فإنّ تكلفة تمضية ليلة رأس السنة في الفندق من طعام وشرب ومبيت، إضافة إلى حضور الحفلة الغنائية واستعراضاتها لا تقلّ عن 34 ألف دينار، وتصل إلى أربعين ألف دينار (بحدود 480 دولارًا) لكل شخصين، وقد تقفز إلى حدود 58 ألف دينار (940 دولارًا) في فنادق أحجمت عن تقديم عروض للسهرات الخاصة بليلة عيد الميلاد.

ويعود تفاوت القيمة المالية المذكورة إلى طبيعة الخدمات ومستوى الرفاهية التي يوفّرها كل فندق ومطعم استنادًا إلى نبيل ياحي مدير التسويق في مركب سيدي فرج.

كما إنّ قيمة تناول وجبة العشاء وحدها تتراوح للشخص الواحد بين ستة آلاف وثمانية آلاف دينار (بين 72 و96 دولارًا). وتصل في فنادق رفعت تسعيراتها إلى عشرين ألف دينار (240 دولارًا)، مع الإشارة إلى أنّ الأزواج والعوائل تستفيد من تخفيضات نسبية.

مع ذلك، فإنّ واقع الحال يكشف أنّ غالبية الحجوزات تمت على مستوى الفنادق والمطاعم، ما اضطر بعضها إلى التفكير في توفير فضاءات إضافية لاستيعاب الطلبات المتكاثرة، على الرغم من الأسعار العالية في مجتمع يتقاضى فيه موظفوه أجرًا لا يتجاوز الخمسة عشر ألف دينار (180 دولارًا).

إلى جانب الفنادق التي يُنتظر أن تمتلئ خزائنها بالمال، فإنّ نجوم الغناء الذين ترتفع أسهمهم بالمناسبة، يصنفون ضمن خانة كبار الرابحين، تبعًا لما سيتقاضونه من أجور خيالية من قبل عموم الفنادق والمطاعم والنوادي التي تتهافت على خدماتهم، فيحصل هؤلاء على أموال مضاعفة، خصوصًا في حال عملهم في أكثر من فندق واحد خلال الليلة الواحدة.

في سياق متصل، واحتكامًا إلى التوافد الكثيف للأوروبيين وغزوهم صحراء الجزائر عشية ليلة رأس العام، يُتوقع بحسب محمد صلاح ورؤوف بن دريدي مسؤولي وكالتين سياحيتين في ولاية جانت (2300 كلم جنوبي شرق العاصمة)، أن تستفيد الفنادق والوكالات السياحية من وضع كهذا.

ويعوّل عرّابو قطاع السياحة على آلاف الفرنسيين والألمان والإيطاليين، إضافة إلى المئات من دول أخرى، فضلاً عن الأعداد الهائلة لجزائريي الداخل ونظرائهم المغتربين لإنعاش حركية الفنادق والمحال ووكالات السفر والسياحة في صحراء الجزائر التي توفر خدمات هائلة لروادها وبأسعار منخفضة كثيرًا عما هو مقترح في الشمال.

ويلاحظ الخبير الاقتصادي الجزائري أنيس نواري أنّ الاحتفال بليلة رأس العام في الجزائر له انعكاسات اقتصادية ملحوظة على الأسواق ونشاطها، وذلك بسبب ما هو حاصل من رواج سوق الهدايا والحراك المذهل للفنادق في مثل هذا الظرف سنويًا.

ويثمّن نواري الأمر من حيث إسهامه في تنشيط عجلة اقتصاد محلي راكد لا يزال يعاني تباينًا في مردوده بشكل عام، ومن شأن مناسبة الكريسماس أن تسهم في دينامية السلع والخدمات واستقطاب الأموال، رغم أنّ ذلك سيكون رهين أيام معدودة فحسب.