في وقت هللت فيه الجهات الرسميّة في الجزائر لقرارها باعتماد ترسانة قانونيّة لقمع الغش التجاري، والنيل ممن تسميهم quot;التجار المزيفينquot;، يذهب خبراء ونواب تحدثوا لـquot;إيلافquot; إلى حتمية معالجة المشكلة من جذورها، بكبح جماح البارونات ومحاربة متنفذي السوق الموازية.

كامل الشيرازي من الجزائر: يقول النائب quot;عبد القادر قاسم قوادريquot;، إنّ ما ورد في قانوني تحديد الممارسة التجارية والمنافسة، موجّه أساسًا إلى صغار التجار، بينما الجميع يدرك في الجزائر أنّ الاختلالات يتسبّب فيها كبار التجار، وكذا من يُطلق عليهم محليا مسمى (البارونات)، وهم مجموعة من المورّدين الذين يحتكرون غالبية ما تسوقه البلاد من المواد الواسعة الاستهلاك، ويشدّد قوادري على أنّه ما لم يتعاطى أهل الحلّ والعقد مع هؤلاء بحزم، فإنّ الأمور ستبقى على حالها، طالما أنهم يتموقعون كمسقفين حقيقيين للأسعار، وهو ما يؤيده الأستاذ quot;نبيل مصطفاويquot; بقوله أنّ العبرة بتشخيص حقيقي للمرض المزمن الذي تعاني منه القطاع التجاري المحلي، وذاك يقتضي استئصال الأورام، على حد تعبيره، وإلاّ فإنّ الانحراف ماض وآلته الميدانية هم المضاربين وما يُعرف بفئة (الوسطاء).

ويذهب quot;إلياس شرارquot; الخبير في الشأن التجاري الجزائري، إلى أنّ ضبط وتصحيح مسار الممارسة التجارية هناك، ينبغي أن ينطلق من المنبع، ويقترح تطهير الحدود وأجهزة الرقابة ذاتها من الفساد، وإيجاد آليات حقيقية وواقعية تكفل محاربة الاحتكار، وتقرّ توزيع حصص الاستيراد المخصّصة للمواد الإستراتيجية على أكبر عدد ممكن من المتعاملين لتحسين المنافسة في مجال النوعية والأسعار، فضلاً عن تشديد السلطات الرقابة على المستوردين لحماية المنتوج الوطني.

وعلى الرغم من اقتناعه بأهمية القانونين المذكورين خصوصًا في ما تعلق بالفوترة واحترام هوامش الربح، إلاّ أنّ الأستاذ quot;سليم لعجايليةquot; يجزم بحتمية إعلان حل شامل يقطع دابر السوق الموازية وهي عنوان كبير لتجارة غير مشروعة تدور في فلك لا يعترف بالتحصيل الضريبي أو بأي سلطة جبائية، وذاك يقتضي ndash; بحسبه - تجاوز الإجراءات الظرفية، ووضع إطار قانوني دائم يضمن ممارسة تجارية حرة وشفافة ويحمي الاقتصاد المحلي وكذا المستهلكين الذين باتوا ضحايا لفوضى التجارة في البلاد.

ويقترح لعجايلية استرجاع الدولة مهمة ضبط وتنظيم السوق، وتكثيف آليات مراقبة السوق خاصة من خلال تعزيز نسيج الأسواق الجوارية لامتصاص التجارة الموازية، مع إنشاء هيئة اقتصادية لتسيير هذه الأسواق، وتطهير المجمعات السكنية من فوضى الباعة المتجولين، ومضاعفة أعوان الرقابة، ويتساءل:quot;كيف يمكن مراقبة 1.3 مليون تاجر ينشطون في السوق بـ2500 عون موجودين حالياquot;.

وينبّه د/الطاهر بسباس إلى ما تشكله السوق الموازية من مخاطر على توازنات التجارة في الجزائر، لذا ينادي باعتماد شفافية كاملة في مجال الصفقات والمعاملات المالية وتوفير بطاقات الدفع والسحب المغناطيسية فضلا عن الفوترة في كامل التعاملات، ما يقطع الطريق على تنامي السوق الموازية، في وقت يرى متابعون، إنّ تجاهل الوضع سيؤدي إلى تحول الاقتصاد الموازي إلى اقتصاد جماعات ضغط، قد يمتدّ أثره ليتجاوز الدولة، سيما مع خوض ناشطي السوق الموازية في تجارة العملات، وما يترتب عن ذلك من أثر على تفادي المواطنين الانخراط في التعاملات النقدية الرسمية، وتراجع معدلات الادخار، بمقابل استشراء تهريب النقد الأجنبي خارج البلاد.

ويجمع لعجايلية وبسباس وشرار على حساسية التقليل من أعداد الوسطاء الذين يضاربون في الأسعار، بما يربك القواعد المطبقة على الممارسات التجارية، ويرون أنّ ضبط المنظومة التجارية ممكن دون المساس بمبدأ حرية اقتصاد السوق، لكن ليس إلى مستوى ارتفاع الأسعار على نحو غير مبرر، وذاك يتطلب تقوية أداء أعوان الرقابة، وتوخي الصرامة تجاه ظواهر الغش والمحاباة والرشوة.

بالمنظور الحكومي، يرى quot;مصطفى بن بادةquot; وزير التجارة الجزائري، أنّ الآليات القانونية وحدها لا تكفي، وهو ما يتطلب استكمالها بوسائل أخرى كتنظيم شبكة التوزيع وتعزيز شبكة أسواق الجملة، وإنشاء مؤسسة مركزية تعنى بتسيير الفضاءات التجارية الكبرى.

وتعتزم السلطات الجزائرية توظيف أكثر من سبعة آلاف عون جديد قبل سنة 2014، بينهم ألف عون هذا العام، على درب ضمان استقرار الأسواق المحلية وإعادة أسعار المواد الأساسية إلى مستواها العادي، مع المحافظة على هوامش الربح المعقولة على أهبة شهر رمضان.

وشهدت الفترة الماضية، تسجيل مليون تدخل لأعوان الرقابة، ما أدى إلى تحرير 190 ألف مخالفة ومتابعة قضائية لـ165 ألف تاجر، ناهيك عن إغلاق أكثر من عشرة آلاف محل.

ويشير quot;مراد بولنوارquot; المتحدث باسم الاتحاد العام للتجار والحرفيين الجزائريين، إنّ أحد أكبر المعضلات في الجزائر تكمن في اتساع رقعة السوق الموازية في الجزائر، حيث باتت تشهد نموًا مطردًا ومتسارعًا، بشكل جعل قيمة (رقم أعمال) هذه السوق يربو عن العشرة مليارات دولار، إضافة إلى استقطاب الأخيرة 60 في المئة من إجمالي التجار على المستوى المحلي، ناهيك عن آلاف الآخرين من اليد العاملة الناشطة في هذه الأسواق، علمًا أنّ تقديرات هيئات مختصة، تتحدث عن تشغيل السوق الموازية لحوالي مليوني شخص يتداولون 80 في المئة من السلع والبضائع في نحو خمسمئة سوق يطلق عليها مسمى (فوضوية)، وهو واقع غريب ينطوي على مفارقات أفرزت حياة اقتصادية تتميّـز بمناطق شعبية تشبه الدول، تبيع وتشتري كما تشتهي ولا تعرف مفهوم الضرائب.

ويمكن للمتجول في مدن جزائرية متعدّدة، بدءًا من الأحياء الشعبية في العاصمة الجزائرية مرورًا بمحافظات داخلية، وصولاً إلى مدن الجنوب الكبير، أن يلحظ عشرات التجمعات الاقتصادية المتناثرة هنا وهناك، هذه الأخيرة تسيرها مجموعة من (البارونات)، وفق قوانينها الخاصة بعيدًا من أي سيطرة أو وصاية من طرف الدولة التي أعيتها الحيل على ما يبدو إذ استمرّ بقاء السوق الموازية لسنوات طويلة في الجزائر على الرغم من توالي 14 حكومة كاملة.

وتؤكد إحصائيات حديثة، أنّ الاقتصاد الموازي في الجزائر يسيطر لوحده على 40% من الكتلة النقدية المتداولة في السوق المحلية، وهي نسبة ضخمة تعكس واقع الحال، وفي وقت ظلّ مسؤولون في الحكومة ينادون بتغليب عامل الردع لمحاصرة الأسواق الموازية، يدعو خبراء إلى مرونة أكبر في التعاطي مع ظاهرة صارت جزءا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي التجاري المحلي.

ويقترح كل من الخبيرين quot;عبد الحق لعميريquot; وquot;عبد الرحمان مبتولquot;، إدماج الاقتصاد الموازي في الحركية العامة، بمنأى عن أي سلوكات قمعية، على أن تبادر السلطات بتحديد فترة إعفاء ظرفية تشمل جميع تجار السوق الموازية، بحيث تغنيهم عن دفع الرسم على مداخيلهم الإجمالية والرسم على أرباح مؤسساتهم على امتداد ثلاث سنوات كفيل، بما يكفل إعادة تنظيم الإيرادات الجبائية والحد من تنامي السوق الموازية، مشددا على أهمية اعتماد سياسة واقعية في هذا المجال.

ويفيد تقرير للديوان الجزائري للسجل التجاري، أنّ عدد التجار الناشطين بالجزائر، يبلغ 1.3 مليون تاجر مقيدين في السجلات الرسمية، ما يمثل ارتفاعًا نسبته بـ6.7 في المئة مقارنة بالسنة التي قبله، وينتمي نصف هؤلاء إلى تجارة التجزئة (50.1 في المئة)، فيما يتوزع البقية بين الخدمات (31.4 في المئة)، والصناعات (14.4في المئة)، وتجارة الجملة (4.1 في المئة).