مع افتتاح موسم الاصطياف في الجزائر، يرى مراقبون الفرصة مواتية لتفعيل ما يسمونها بـquot;السياحة الشعبيةquot; التي باتت ظاهرة إيجابية متصاعدة هناك، بيد أنّ الارتفاع بنمط هذه السياحة لا يزال أسيراً لمحدودية الجانب اللوجستي والافتقاد إلى مرافق تستجيب لتطلعات الجزائريين.

الجزائر: تستوعب سواحل الجزائر وما يتصل بها من مرافق ما لا يقل عن ملايين المصطافين كل عام، حيث يفضل قطاع واسع من السكان المحليين قضاء موسم العطل داخل بلادهم، والتجول بين منتجعات تيبازة، وبومرداس، وبجاية، وجيجل، والقل، وسكيكدة، ومستغانم وغيرها. وبفعل الحراك الذي تشهده الشواطئ، والغابات ومراكز التسلية والترفيه، فإنّ عموم المتابعين يعتبرون ذلك مؤشراً على سياحة شعبية، آخذة في الانتشار سنة تلو أخرى.

في هذا الصدد، يشير الخبير أنيس بن مختار في تصريح خاص بـquot;إيلافquot; إلى أنّ السياحة الشعبية في الجزائر تشهد مداً متعاظماً منذ أواخر تسعينات القرن الماضي، ويعزو ذلك إلى استعادة البلاد عافيتها بعد سنوات من احتقان الوضع الأمني، ونجاح السلطات في فك العزلة عن مناطق سياحية معروفة في البلاد على غرار جيجل (400 كلم شرق العاصمة). ويذهب بن مختار إلى أنّ منظومة السياحة الشعبية ازدهرت أكثر مع تنامي الهجرة العكسية في مواسم الاصطياف، وتفضيل آلاف المغتربين قضاء إجازاتهم في الجزائر، وما ترتب عن ذلك من انتعاش في سيرورة الفنادق وسائر الهياكل السياحية.

ويعدد سليم لعجايلية لـquot;إيلافquot; مجموعة من إيجابيات السياحة الشعبية في الجزائر، حيث يشيد بدورها في إغراء الوافدين، حيث بات هؤلاء يغزون الجزائر بحدود مليون شخص سنوياً، ما يسمح بجني قدر مهم من العائدات دورياً، فضلاً عن احتضان السياحة الشعبية للمئات من الشباب العاطل، ناهيك عن إسهامها بقسط وافر في إيجاد فرص عمل غير مباشرة، عبر الاستثمار في تجارة الشاليهات، وتصل قيمة الواحدة من هذه الشاليهات إلى حدود 40 ألف دينار (في حدود 450 دولارا)، مع الإشارة إلى أنّ الزبائن عادة ما يفضلون استئجار هذه الشاليهات بواقع ألف دينار لليلة (ما يعادل 90 دولاراً).

من جهته، يشير نبيل مصطفاوي في مقابلة مع quot;إيلافquot; إلى أنّ الكثير من المصطافين أصبحوا يفضلون نمط السياحة الشعبية غير المكلفة من أجل الاقتصاد في المصاريف، حيث يقضي المصطاف يوماً بكامله وحده أو رفقة عائلته على شاطئ البحر تحت مظلة أو داخل إحدى الغابات ليعود في المساء إلى منزله، حتى ولو كان يقطن بعيداً، وهي ملاحظة يؤكدها رزقي وصابر وخالد، الذين يقولون إنهم اعتادوا معانقة غابة الساحل في محافظة بومرداس، تبعاً لما توفره من راحة وجمال يخلب الوافدين إليها، فهي مكسوة بأشجار الصنوبر الحلبي والبحري، وتمتاز هذه الغابة بديكور طبيعي خلاب يمزج بين ثروة غابية ونباتية كثيفة ومتنوعة وجبال وشواطئ رملية ساحرة نقية تمتد على أكثر من 4 كيلومترات.

بيد أنّ أحمد (46 سنة) رب عائلة، وأصدقاءه نزيم، ورفيق، أحمد وصالح يلاحظون أنّ هذه السياحة الشعبية لا تزال تعاني معوقات بالجملة، في صورة انعدام المرافق الضرورية للهائمين بالتخييم من عامة الناس والجمعيات وأفواج الكشافة، وهي سمة لوحظت مع بداية موسم الاصطياف الحالي، وأدت إلى تضاؤل إقبال السياح، مثلما جرت عليه العادة في السنوات الأخيرة.

وتبعاً لذلك، يعرب كريم (54 عاما) صاحب أحد أجمل وأكبر القرى السياحية الحديثة الإنجاز محلياً، عن تخوفه من استمرار هذا الوضع السلبي، بسبب عدم تلقيه العدد المرضي من طلبات الحجز حتى اليوم، رغم سعيه المستمر إلى تحسين الظروف وتحسين الخدمات وإقراره أسعاراً في متناول الجميع، كما يؤكد محمد الصالح، وهو مسير أحد المخيمات العائلية الخاصة، أنّ الوضع سائر إلى التراجع، وإذا ما استمرت الأمور على حالها فستؤثر كثيراً في أفق السياحة الشعبية.

ولعل الواقع المعبّر عنه يتناقض رأساً مع الاتجاه العام للجزائر التي تريد الارتفاع بالقطاع السياحي إلى مستوى اقتصاد بديل، في بلد يقوم حراكه الاقتصادي على 98 % من المحروقات، لذا يشدّد عامر سعيدي على أهمية إعطاء العناية اللازمة للسياحة الشعبية وتحويلها إلى مستوى quot;صناعة سياحيةquot; ترتكز على quot;النوعية والامتياز والجودةquot; خصوصاً مع تموقع الجزائر كمتحف طبيعي ضخم في الهواء الطلق، وامتلاكها إمكانات سياحية ضخمة، تمكنها من تفجير ثورة سياحية في الأيام المقبلة، لكن ذلك يتطلب بحسب خبراء، ضرورة إقناع 1.4 مليون جزائري بعدم قضاء عطلهم في الخارج، وتوفير مبالغ كبيرة من العملة الصعبة.

وتعاني الجزائر محيطاً لا يستدرج السياح، بسبب ضعف منظومة العرض السياحي الجزائري، حيث لا يتجاوز عدد الفنادق من الطراز الدولي العشرة، إلى جانب غياب برامج مغرية في صورة قلة المهرجانات، وتدني نوعية الخدمات، وانعدام العروض السياحية التي تجمع بين الإقامة والتنقل والتسلية.