Anthony Cordesman - Financial Times

لندن


تشير الاضطرابات الحاصلة في مصر وتونس واليمن، فضلاً عن المشاكل الحكومية في العراق، إلى وجود مشكلة خطيرة في الطريقة التي يتعامل فيها الغرب مع الدول المفككة والفاشلة. حتى هذا اليوم، ركزت الأنباء على التظاهرات من دون التشديد على واقع أن التغيرات في الأنظمة التي لا تعالج الأسباب الكامنة وراء الاحتجاجات ستؤدي ببساطة إلى استبدال أحد أشكال الأنظمة الفاشلة بشكلٍ آخر منها.

أدت الإخفاقات الكبرى التي أطلقت فجأةً هذه المشاعر الشعبية الغاضبة إلى سقوط العالم العربي في مستنقع يفتقر إلى النوع المناسب من الأحزاب السياسية والقادة الذين يستطيعون التعاون في ما بينهم لسد فجوة الاختلافات الطائفية والقبلية. وقد دفعت تلك الإخفاقات عينها إلى إطلاق انتفاضات تُعارض معالم الأوضاع السائدة ولكنها لا تنادي بمطالب محددة. تُعتبر المعارضة المصرية مفككة وتفتقر إلى الخبرة، وتبرز جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; كأقوى بديل سياسي عن الحكام الراهنين، ولكنها تبقى ضعيفة وإيديولوجية بدل أن تكون عملية. لم يتضح بعد ما إذا كانت تنحية الرئيس حسني مبارك أو إجراء انتخابات يمكن أن يُنتجا حكومة جديدة تستطيع تلبية تطلعات المتظاهرين. هم يريدون وظائف حقيقية، وإنهاء مظاهر الفساد، وتوزيع المداخيل بطريقة عادلة، وفرض سيطرة حكم القانون والشرطة التي لا تخدم النظام بل الناس.

تضم هذه الدول العربية شريحة متنامية من الفئة الشابة، لكنها تفتقر جميعاً إلى الوظائف وفرص العمل خدمةً لشعوبها، وتتمتع ببنى تحتية لا تستطيع تلبية حاجات الشعب، وقد فشلت جميعها في صقل أنظمتها الاقتصادية بطريقة تُترجم النمو- بحسب النسبة التي يسجّلها- إلى توزيع عادل للمداخيل. وتبالغ جميع هذه الدول في الاتكال على أجهزتها الأمنية الداخلية، وقد فشلت في معالجة أسباب العنف الداخلي والتطرف والإرهاب، كما أنها أساءت إلى ميزانياتها وأوضاعها الاقتصادية عبر التركيز على الأمن على حساب نظام الحكم.

ليست المعارضة في هذه الدول جاهزة بعد للمهمّة التي يوليها الشعب إليها، وإذا وصلت إلى السلطة، فستواجه جميعها مشاكل كبرى في استعمال المساعدات بفاعلية، وعدم إهدارها بأعمال الفساد وسوء الإدارة. كذلك، ستحتاج جميعها إلى المساعدة لإعداد الميزانيات مع تحديد الأولويات الصحيحة، ولإيجاد التوازن المناسب بين القطاعين العام والخاص، ولإعادة تخصيص الأموال بفاعلية ومساواة أكبر بهدف تلبية الحاجات المحلية والإقليمية.

يجب أن تركز الولايات المتحدة وأوروبا على مساعدة تلك الدول لتخطي التحديات القائمة، ويجب أن تتوقفا عن التركيز على مطالب الديمقراطية وحقوق الإنسان وحكم القانون، وكأن الدول القمعية التي تفتقر إلى الحكم الفاعل تستطيع أن تصبح فجأةً مرآة للغرب.

فضلاً عن ذلك، قلما تشكل الدعوات الفارغة إلى إرساء الاستقرار ثم إجراء تحولات مفاجئة في السياسة المتبعة لدعم تغيير النظام طريقة فاعلة لإقناع الشعوب في هذه الدول بأن الغرب يهتم فعلاً بمستقبلهم.

المطلوب هو إظهار دعم صريح من جانب الولايات المتحدة وأوروبا للمساعدة على تعزيز قوة الحكم، في الأنظمة القائمة والجديدة في آن. يجب أن يضع الغرب برامج تساعد الدول على تطوير أوضاعها الاقتصادية بطرقٍ تلبي تطلعات الشعوب وحاجاتها، بدل الاكتفاء بضمان نمو عام في الاقتصاد الكلي وتقديم مشاريع مساعدة.

يجب أيضاً التوقف عن حصر التركيز على الحكومة المركزية، فقد لا يؤدي التركيز على هذه الحكومة وعلى سياساتها- كما أظهرت المساعدات الأميركية في العراق وأفغانستان- إلى نتائج ملموسة في مجال إنشاء نظام حكم محلي وإقليمي فاعل، حتى أن هذه الخطوة لا تعزز إيمان الشعب بحكومته.

بالنسبة إلى أوروبا، ستكون أي جهود مماثلة محورية لفرض الاستقرار في شمال إفريقيا والتعامل مع الضغوط التي تحرك المهاجرين الشرعيين وغير الشرعيين في أنحاء منطقة المتوسط. أما الولايات المتحدة، فيجب أن تعمل على احتواء إيران وأن تضمن موافقة مصر والأردن على دعم اتفاق سلام عربي إسرائيلي.

إذا كانت الولايات المتحدة ستتولى قيادة هذه الجهود، فعليها إحداث تغييرات جوهرية في الطريقة التي تعتمدها القوى العسكرية والمكافِحة للإرهاب، ووزارة الخارجية الأميركية، والوكالة الأميركية للتنمية الدولية، فضلاً عن الكونغرس، على مستوى تحليل السياسات والحروب وتقديم المساعدات وتنفيذها، فالولايات المتحدة تبالغ الآن في تركيزها على خطاب تعزيز الديمقراطية والانتخابات، وحقوق الإنسان التشريعية، وإنشاء دستور جديد، واعتماد مقاربات رسمية تعزز حكم القانون.

حتى الآن، لا وجود لأي سجلات سابقة متعلقة بدور الولايات المتحدة في العراق واليمن تؤكد فاعلية سياساتها لمعالجة الاضطرابات الأخيرة التي هزّت العالم العربي. لسوء الحظ، يبدو أن الولايات المتحدة ليست مستعدة بعد للتعامل مع المشكلة الخطيرة القائمة في مصر، أو اتخاذ تدابير وقائية لمساعدة أنظمة عربية صديقة أخرى على اعتماد مقاربة سلمية تضمن الإصلاح والتغيير.