مطلق سعود المطيري

في توجّه بريء وأخلاقي انطلق غضب الشباب المصري من ميدان التحرير في القاهرة وتردد صداه في كل أرجاء أرض المحروسة ، وظلت عيون العرب تتابع أحداث هذا الخطب الجلل بكل اهتمام وخوف وترقب ، مع استحضار السيناريو التونسي في المتابعة والتحليل ، لإضافة فصل جديد لكتاب التغيير السياسي في العالم العربي ، البعض كان ينتظر بخوف سقوط الحكومة والبعض الآخر يتمنى خروج الرئيس المصري من الحكم والبلاد ، لنكون أمام حالة تاريخية عربية يعاقب بها الشباب العاطل عن العمل حكوماته ، عقابا وطنيا عاجلا من دون رؤية سياسية لحاضر ظروف التغيير ومستقبل الوطن المرهون بأدوات الغضب التي تنتهي صلاحياتها بانتهاء الاحتجاج ، لتبدأ بعدها الأدوات الأيديولوجية التي سوف تقبض بانتهازية على مكاسب التغيير وعندها يتم مساءلة التاريخ والدستور هل من مخرج من هذا المأزق ؟

لا نخرج عن الحقيقة التاريخية إن قلنا إن مصر تختلف كثيرا عن تونس في الشعب والسياسة ، فالشعب المصري لا يثق بالمعارضة بالقدر الذي لايثق به بحكومته ، فحرية التعبير والتداول السلمي للسلطة والانتخابات النزيهة مفردات طلب السلطة والنفوذ ، قيم سياسية إن غابت تعطلت السياسة ولم تتعطل الحياة ، ومقومات الحياة هي الشيء الذي يمكن أن يعرض الشعب حياته للموت في سبيلها ، فالشعوب تبحث عن عمل يحفظ لها كرامتها من ذل الحاجة ، طموح بسيط في هذه الحياة ومن يحققه لها يملك عاطفتها الوطنية ، فالسياسة المصرية تستمد شرعيتها من هذه العاطفة ، وعندما فقدت تأييد هذه العاطفة خسرت ولاء المجتمع لها ، وهذه الخسارة كانت بسبب انحراف الحزب الوطني الحاكم عن المسار الشعبي واعتماده على رجال الأعمال في خصوماته السياسية خاصة مع جماعة الإخوان المسلمين ، فبدلا من الاستفادة من رجال الاعمال لتوفير فرص عمل للعاطلين ، استفاد رجال الاعمال من التسهيلات المقدمة لهم بسبب انتمائهم للحزب الحاكم ، ظلت هذه الممارسة عقدا من الزمن وهي مدة زمنية كفيلة بخلق حالة الاحتقان الشعبي في مصر ، ولعل من فوائد هذا الاحتجاج الشعبي تنبيه المؤسسة العسكرية في مصر بدورها الوطني لتتدخل في الوقت المناسب وتحسم الجدل لصالح الاعتبارات الوطنية العليا وعلى رأسها الاستقرار الأمني ، ومنع الأجندات السياسية التي تعمل من أجل استمرار العنف والفوضى ليكون لأصحابها حضور بارز في ساحات الدم والتفجيرات والتصفيات مثل جماعة الاخوان المسلمين ،أما بقية الأحزاب في مصر مثل الوفد والغد فهي لا تختلف في الممارسة عن بعض الشخصيات التي قدمت طموحها الشخصي وعرضته على الجمهور كمشروع سياسي تدعوه للتسبيح بحمده وتأييده مثل الدكتور البرادعي الذي يرى في تلك الظروف فرصة فريدة من المستحيل أن تتكرر له ثانية .

الرئيس مبارك ينتمي للعقيدة الوطنية العسكرية تربية وفكرا ، ولهذا انحاز للحل الوطني وليس السياسي ، فأبعد رجال الأعمال عن الحل وقطع الطريق على أصحاب أجندات العنف والطموحات الشخصية ، والعقيدة العسكرية تقدم مصالح الوطن عمليا على سلامة الروح والمصالح الشخصية وفشل قائدها يؤدي لانتحاره وليس هروبه..