لم يبدأ عام 2024 على خير ولم ينتهِ على خير، ما يبدو خيراً للبعض ليس خيراً لغيرهم، الخير نسبي في مقاييس السياسة والحروب، و2025 ربما يكون حاسماً في إنهاء بعض الملفات القديمة والجديدة. سيكمل عام 2025 ما بدأ في عامي 2022 في أوكرانيا و 2023 في الشرق الأوسط وبلغ الذروة عام 2024.

وسيكرس صورة جديدة للعالم تشبه الصورة التي كرستها تحولات كبيرة منذ حرب النجوم التي أطلقها الرئيس الاميركي المحافظ رونالد ريغان في منتصف الثمانينيات وأدت الى سباق محموم على الفضاء والعسكرة انتهى بسقوط جدار برلين وانهيار الاتحاد السوفياتي ومنظومة المعسكر الاشتراكي وانكفاء روسيا وسيطرة أميركا على العالم باعتبارها القطب الأوحد عسكرياً واقتصادياً، حتى صعود الصين الاقتصادي الهائل. سيحل دونالد ترامب في البيت الأبيض رئيساً لأميركا لأربع سنوات أخرى غير قابلة للتجديد، وهذا بحد ذاته عامل مهم في تحديد سياساته الداخلية والخارجية، فهو سيكون محكوماً بالوقت الضيق المتاح لإرساء مفاهيمه للحكم والادارة والاقتصاد وللدور الأميركي في العالم، تقوده نرجسية مفرطة وجموح كبير لتخليد إسمه بين أسماء الرؤساء العظام لأميركا، هو الآتي من عالم البزنس والاستعراض.

يتسلم ترامب السلطة في وقت تبدو الملفات الكبرى في العالم شبه جاهزة بعدما أينعت وحان قطافها. من أوكرانيا إلى أوروبا إلى الشرق الأوسط. وعد ترامب بوقف الحرب في أوكرانيا وسيعمل على ذلك، لا يهمه كثيرا فولوديمير زيلينسكي، ولا وحدة أرض أوكرانيا.

الأهم بالنسبة إليه وقف الدفع للرئيس الأوكراني بلا مقابل. كما لا يهمه كثيراً الدفاع عن أوروبا، فلتتحمل مسؤولية أمنها وتنفق من مالها الخاص على حماية نفسها، والحلف الأطلسي برأيه بات لزوم ما لا يلزم طالما أن على أميركا أن تتحمل عبئه كما لو كان منظمة عسكرية أميركية. مع انتهاء حلف وارسو الشيوعي ما عاد الحلف أولوية لأميركا التي ليست بحاجة إلى أحد ليدافع عنها.

سيمنح بوتين بعض المكاسب وسيلوي ذراع زيلينسكي قليلاً وسيعمل على اتفاق لوقف النار يضمن له هدوءاً طوال ولايته ويسمح له بمعاقبة الأوروبيين وتدفيعهم ثمن أمنهم من اقتصادهم المتدهور. القوة الأميركية هي شركة استثمارية يجب أن تدرّ ربحاً وليس فقط تدفع تكاليف. سيطل ترامب على منطقة الشرق الأوسط والحرب فيها في مراحلها الأخيرة.

هدات جبهة لبنان (ولو من جانب واحد)، عادت إيران إلى قواعدها الداخلية بعد الضربات التي تلقتها في لبنان وسوريا وداخل أراضيها، وهي تبحث الآن عن حفظ بعض كبريائها عبر التوصل إلى اتفاق الحد الأدنى حول برنامجها النووي الذي سيكون حازماً في منعها من تطويره لينتج قنبلة نووية، وسيكون نظامها معنياً أكثر بتثبيت أركانه في مواجهة عواصف اقتصادية وشعبية محتملة، ولا سبيل إلى ذلك الا بالمال والمال تحتجزه أميركا، وأميركا لا تقدم شيئاً بالمجان، خصوصاً بزعامة أبي الصفقات ترامب.

تبقى الحرب على غزة، لكنها لا تؤرق ترامب كثيراً، فهي على وشك أن تلقي أحمالها بعدما لم يبق من القطاع إلا ركام ومليونا مشرد جائعون ومرضى ومنهكون، ومجموعات متشبثة ببنادقها تقاتل حتى الرمق الأخير متشبثة بأمل التوصل إلى اتفاق لتبادل الأسرى يوقف الحرب الوحشية على الإنسان الفلسطيني.

لن يهتم ترامب كثيراً بأرواح الفلسطينيين، فهو ككل الرؤساء الأميركيين، يتصرف بنظرة الأبيض تجاه الهندي الأحمر، والفلسطيني للمصادفة يحمل تقريباً لون الهندي الأحمر. ولن يكون أرحم من سابقه "الصهيوني" جو بايدن، ما يميزه هو أنه أكثر استعجالاً، فلسان حاله يقول: اقتلوهم بسرعة وبكل وحشية فلا وقت لدينا لهم. ربما تكون تطورات سوريا فاجأت البعض، لكنها بالتأكيد لم تفاجئ أميركا ولا إسرائيل وبالطبع ليس تركيا ولا روسيا حتى، كانت سوريا القشة التي قصمت ظهر المحور الإيراني الذي كان تلقى ضربتين قويتين في لبنان وفي الأراضي الايرانية نفسها، لكن سوريا التي أسقطت نظام بشار الأسد وجهت ضربة شبه قاضية لكل ما بنته إيران في الهلال الخصيب.

سوريا اليوم ولأعوام كثيرة مقبلة ستنحو منحى مختلف كلياً، داخلياً وخارجياً، وخصوصاً في ما يتعلق بالصراع مع إسرائيل الذي ستخرج منه طوعاً، ورغماً عنها. فالمعادلات الجديدة لن تسمح لها بمقارعة إسرائيل، لا في السياسة ولا في العسكر وستتفرغ قياداتها الجديدة- أيا كانت وكيف كان شكلها- إلى الوضع الداخلي الاقتصادي والاجتماعي، وليس سراً أن قدراتها العسكرية قد دمرت تقريباً بالكامل ولم يبق من الجيش إلا أشلاء دبابات وصواريخ وحطام طائرات لا تطير أصلاً.

هذا إذا بقيت سوريا بلداً مركزياً موحداً. عام 2025 هو بداية عصر عالمي جديد سيطبعه دونالد ترامب بمزاجه وأفكاره الخارجة عن المألوف، ولن يوقف جموحه أو يحد منه إلا "السيستم" الأميركي نفسه.