أسامة يماني
المشهد اليوم محزن مبكٍ مؤلم قاسٍ على كل نفس إنسانية. ما وصلت إليه الشام من فوضى. أرض الحضارات، السومريين، الأكاديين، الكلدان، الكنعانيين، الآراميين، الحيثيين، البابليين، الفرس، الإغريق، الرومان، النبطيين، البيزنطيين، العرب، سوريا التي كانت بداية الاستيطان البشري وتخطيط أولى المدن واكتشاف الزراعة وتدجين الحيوانات ومعرفة وتطور الأبجدية واكتشاف (المنجل الأول والمحراث الأول) قامت فيها أولى المدن في التاريخ، والممالك الأثرية مثل إيبلا في شمال سوريا التي شيدت إمبراطورية امتدت من البحر الأحمر جنوباً حتى تركيا شمالاً حتى الفرات شرقاً، ومملكة ماري، وغيرها من المدن راميتا، البارة، الصلخد، توتال، والسرمدا. سوريا بلد الشعوب والأعراق والقوميات والتنوع من عرب وأكراد وأرمن وسريان.
الأكثر قسوة أن شرقنا لا يتعلم من العبر ودروس التاريخ. سقوط بشار حافظ الأسد ليس نصراً ولا إنجازاً للثوار لأنه ساقط من قبل ما يُسمى بالربيع العربي. نظام الأسد ساقط المشروعية منغمس في الطائفية يخاف من شعبه ويعيش في ظلام ظلمه وسطوته على أهله ووطنه مستعيناً بالقوة الغاشمة مستقوياً بالقوى الخارجية. الرعب والإرهاب له عدوى تنتقل للجلاد. صعب على شرقنا أن يتعلم الدرس. كثيرون مصابون بهياج نشوة سقوط بشار كما انتشوا لسقوط صدام والقذافي وكأن الحل والنجاة في زوال حكم الطغاة.
سوريا ليست بلداً قليل الموارد بل العكس سوريا غنية بمواردها الطبيعية من نفط وغاز وزراعة ومياه ومعادن وموقع جغرافي وثقافة وتراث وموارد بشرية هي الأهم على الإطلاق بالإضافة للتعليم والمهارات، ذات تقاليد تعليمية قوية يمكن البناء عليها لإعادة تأهيل القُوَى العاملة وتزويدها بالمهارات اللازمة لسوق العمل الحديث. المشكلة التي تواجهها سوريا في الواقع هي مشكلة العقل العربي المكبل والمُقيد بآلاف القيود اجتماعيّاً وسياسيّاً واقتصاديّاً، يجعله يستنسخ الأخطاء وينتج القهر والاستكبار. ثقافة متأصلة تؤمن بإخضاع الآخر وجعل مفهوم الأمن يطغى على مفهوم التعايش والتناغم. حكم الطائفة يلجئها إلى الاستقواء بالقوى الخارجية. حكم الطغيان آفة تصيب الطغاة من حيث لا يحتسبون وتجعلهم خاضعين للخارج وإملاءاته ومصالحه ومخططاته على حساب البلاد والعباد وعلى حساب الطغاة الذين سيعيشون يجترّون الأسى والندامة والخسران، لكن الثمن باهظ وقاسٍ على القريب والبعيد.
دروس وعبر لا يتعلم منها شرقنا منذ أفول نجم الشرق وبزوغ شمس الغرب. وجدت لزاماً التنويه عنها لعلها تكون ذكرى لمن يدّكر.
التعليقات