عبد الرحمن الراشد


أي فجر سيشرق على مصر، هل تكون انتفاضة يلتسين في روسيا، أو تحولات الصين السياسية، أم ثورة آية الله الخميني في إيران؟

الوقت سيجيب عن هذه التساؤلات المهمة، وبعيدا عن المراهنات يمكن أن نقول: الاحتمالات كلها ممكنة، مع اعتقادي أن الثالث، أي الثورة الشاملة على غرار إيران بات شبه مستبعد. فالنظام، وتحديدا القطاع العسكري، تمكن من الانتشار والإمساك بالمفاصل الأساسية للبلاد. ولو افترضنا أن الأيام المقبلة برهنت العكس وتهاوت الأركان بما فيها القوة العسكرية، وتغير النظام فإننا أمام مصر مختلفة تماما، تشابه حقا إيران في ثورتها عام 79. وهذا السيناريو البعيد الاحتمال تماما مرهون بدوره بأن التغيير يحدث داخل القيادة العسكرية وليس من خلالها، أعني أن قيادتها الحالية تفقد السيطرة. أمر لم أسمع أحدا تخيله بعد، لهذا يكاد يكون أمرا مستحيلا.

الحقيقة إن القوات المسلحة هائلة، والقوات التي نزلت إلى شوارع القاهرة لم تكن الجيش، بل لواء رئاسي واحد. أيضا النظام المصري كبير رغم الانهيار السريع لأجهزة الأمن، والذي فاجأ الجميع، وأعتقد أنه فاجأ القيادة المصرية نفسها. فهو يملك واحدا من أكبر الجيوش الأمنية في العالم، مليون وأربعمائة ألف فرد. وربما من حسن حظ الجميع أن الأمن المصري انسحب وترك الساحة لأن هذا حال دون الصدام وحقن الدماء.

ظهر أن الرئيس حسني مبارك ليس مثل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي الذي هرب فورا، لكن الأزمة مستمرة، وتطورات الأيام السبعة الماضية تجعلنا أمام احتمالين كليهما يعني بقاء النظام مع تغيير في رأسه أو في سلوكه. وهناك احتمال رابع، وهو أن قصر عابدين سيستأنف أعماله لاحقا كالمعتاد، وهذا أمر مستحيل اليوم ولا يستحق حتى نقاشه هنا.

ورغم الحرائق والنهب والسلب والغضب، فأنا متفائل كثيرا من أن مصر في الحالتين الأخريين ستخرج من الأزمة أقوى من أي يوم مضى. إنه تعافي الرجل المريض، وهذا له ثمنه الباهض بالتأكيد. أعني الاحتمالين الوسط. فالاحتمال الذي يتنبأ بأن القيادة المصرية، ومعنى كلمة القيادة هنا المدنية والعسكرية والقوى السياسية المرتبطة بالحكم، ستستطيع التوصل إلى حل وسط بتغيير قيادي بالتراضي. أعني نصف التغيير، بمعنى أن الرئيس يقبل بنهاية رئاسته بصيغة معقولة ومحترمة تؤمن انتقالا دون تصدع النظام الكامل، وسيفسح المجال لدخول الكثيرين داخل المظلة نفسها.

وهناك سيناريو التغيير الناعم الذي يقود إلى تغيير السلوك الرئاسي لا الرئيس. وفي الحالتين مصر ستخرج أقوى سياسيا، لأن الجميع في الداخل والخارج سيعتبره انتصارا، وعليه أن يتعامل مع مصر الجديدة، ستكون مصر أقوى داخليا. مشكلة مصر لم تكن قط خارجية، فسياسة مبارك الخارجية لم تتورط في مغامرات كبيرة، لا حروب ولا مشاريع سياسية أجنبية مكلفة كما كان يحدث في عهد عبد الناصر، مواقف أعطت مصر بعدا دوليا مهما، وأي قيادة تبقى أو تأتي لن تغير في سياستها هذه. ويبقى التغيير داخليا، وهنا توجد مساحة هائلة ستكون محل جدال ونقاش لكن لا يستطيع المصريون هذه المرة الشكوى من التوريث أو التنفيع، فقد كان درس الجمعة بليغا.