عبد الرحمن الراشد
بعد هذه الأزمة سيخرج حسني مبارك من حكم مصر وعدد سكان بلده أكثر من ثمانين مليون نسمة، نفس البلاد التي دخلها نابليون وكان عدد سكانها ثلاثة ملايين شخص فقط. وهي عندما تقلد حكمها جمال عبد الناصر كان عددهم نحو عشرين مليونا فقط، وقفز عددهم إلى 38 مليون نسمة عندما حكمها أنور السادات، ثم صاروا خمسين مليون نسمة تقريبا عندما صار مبارك رئيسا.
ما علاقة السكان بالانتفاضة؟ الرابط في أنها حركة شبابية، هم الأغلبية الساحقة فيها، 68% دون الثلاثين عاما. أما الذين أعمارهم فوق 65 عاما فلا تتجاوز نسبتهم 3%. وبالتالي، فنحن أمام مواجهة بين فريقين مختلفين تماما، عددا وعمرا، ولا عجب أن القيادة السياسية فشلت في التنبؤ بالمشكلة وفشلت في مواجهتها.
فقد اعتادت السلطات على التعامل مع المعارضة التقليدية، تعرفهم وتعرف مساكنهم، وتعرف عن أتباعهم وترصد منشوراتهم. تدير العلاقة معهم سلبا وإيجابا، تمنع من تشاء وتسمح لمن تشاء، تدخل بعضهم السجن، وتسمح للبعض منهم بالترشح، وأحيانا تتركهم يكسبون مقاعد في البرلمان، وتغض النظر عن صحفهم وندواتهم وهكذا. تعرف حجم مظاهراتهم، وتعرف كيف توقفها أو تقلصها، وهكذا. لكن الانفجار الأخير حدث في الشوارع الخلفية، ومن فئة لم تكن تبالي بها السلطات، ولم تضعها من قبل تحت رقابة راداراتها، لأنهم صغار السن ولا ارتباطات سياسية لهم، ومظاهرهم لا تخيف أحدا.
إنما هؤلاء، عدا كونهم الأغلبية السكانية، هم أيضا المتضررون من الوضع القائم، فتسعة من كل عشرة عاطلين عن العمل شباب دون سن الثلاثين. ولأن صغار الشباب ليسوا مسيسين بطبعهم، غفلت عنهم السلطات السياسية الأمنية مع أنهم شاركوا في مناسبات أثبتوا قدرتهم على التجمع والتغيير. ففي ربيع عام 2008 التحق الشباب الذين نراهم اليوم في ميدان التحرير بعمال تظاهروا في مدينة المحلة الكبرى الصناعية، لبسوا قمصانا موحدة، وسموا أنفسهم بـlaquo;حركة شباب 6 أبريلraquo;. كان عددهم على شبكة الـlaquo;فيسبوكraquo; أكثر من مائة ألف آنذاك، ومع هذا لم تفهم السلطات التغيرات الجديدة في المجتمع، واستمرت تراقب المعارضة التقليدية والإعلام التقليدي.
الفراغ بين الفريقين، الشباب والحكومة، سبب فشلا ذريعا في التواصل. فالكبار يقرأون الصحف ويشاهدون التلفزيون ويسمعون مباشرة أو من خلال وكلائهم على الأرض. في حين أن الشباب يتواصلون من خلال شبكات تحت الأرض مختلفة تماما عن ما فوق الأرض، ولهم توقعات مختلفة، ولغة مختلفة. سياسيا يتناقشون حول قضايا بلدهم ويقارنون بين ظروفهم ويطالبون بحقوق مماثلة للشباب الآخرين في دول بعيدة. هؤلاء ليسوا أعضاء في حزب الوفد أو الوطني أو الإخوان، هم مخلوقات مختلفة بالفعل. وهذا ما صدم الحكومة يوم 25 يناير (كانون الثاني) عندما انفجرت القاهرة. المألوف أن أعمار المتظاهرين ثلاثون فأكبر، يحتجون لبضع ساعات ثم يتفرقون، ويهربون عند ظهور البوليس. أما هؤلاء فإن معظمهم في العشرينات، خرجوا في ساعة واحدة بعشرات الآلاف بعد حملة نظموها عبر laquo;التويترraquo; وlaquo;الفيسبوكraquo;. استمروا يتظاهرون لأيام ووقفوا بصدورهم العارية في وجه البنادق. الحقيقة الجديدة أن الشعب المصري تغير، وتغيرت الشعوب العربية في نسبة الشباب السكانية، وتطور وعيهم السياسي ولن يكون ممكنا إسكاتهم. وبدون إدراك هذه الحقائق الجديدة، وفهم دوافع المتظاهرين المتعددة، واعتماد الإصلاح، لن تنتهي الأزمة.
التعليقات