صالح محمد الجاسر


القراء هم الهدف الأول لكل كاتب، وتفاعلهم معه دليل على أنه استطاع أن يثير نقاطاً استحقت أن تكون محل تعليقهم، سواء بالنقد، أو التأييد، أو التوضيح، والكاتب الذي يدرك أهمية القارئ، وما يتمتع به من معرفة وذكاء وفطنة، يحترم كل تعليق، حتى لو كان بعيداً عن الفكرة التي طرحها.

ولهذا أستميح القراء الكرام أن أخصص هذا المقال للعودة إلى ما طرحته في ثلاثة مقالات حملت عناوين ''بن علي.. لماذا في السعودية'' و''مثل زبنة رشيد'' و''لصالح مَن هذا التحريض؟''، وهي مقالات أثارت نقاشات وتعليقات كثيرة من القراء الأعزاء، بعضها نشر في موقع الصحيفة على الإنترنت، والبعض الآخر وصلني عبر البريد الإلكتروني.

في المقالين الأول والثاني حرصت على الإشارة إلى الجانب الأخلاقي الذي تلتزم به المملكة في تعاملها مع قضية اللجوء، هذا الجانب النابع من الشيم والأخلاق العربية الأصيلة، وقبل ذلك من تعاليم الدين الإسلامي الحنيف، جعل المملكة لا تنظر إلى ردود الفعل طالما هي ملتزمة بمبدأ تسير عليه، وهي حين توفر المأوى لمن استجار بها، فهي تفرض على المستجير شروطاً تجنب الآخرين إشكالات هذا اللجوء، وتلزم نفسها بعدم استخدام من يستجير بها ضد الغير، بل وتتحمل من أجل ذلك ما يطالها من لوم ونقد، أما ما يتعلق بسلوك من استجار بها قبل أن يصل إلى أرضها، فلا تُحاسب عليه.

المقال الثالث كان عن تغطية القنوات الفضائية لما يحدث في مصر من مظاهرات وما تبعها من أعمال سلب ونهب، وتحول بعض هذه القنوات إلى أداة تحريض على مزيد من العنف، وكان سبب هذا المقال متابعتي لمواقف عدد من الدول الغربية، وكذلك متابعتي لما يطرح عبر القنوات الفضائية، وهي متابعة أزعم أنها متابعة متخصص أكثر من كونها متابعة مشاهد، فأنا ومنذ ما يزيد على ثلاثين عاما على علاقة وثيقة بالإعلام، تتيح لي التفريق بين التعاطي الإعلامي السليم الملتزم بأخلاقيات العمل الإعلامي، وبين ما يُبث من برامج ومقابلات وأخبار موجهة، تتضمن تسريبات، أو ترويج لأحداث، أو شخصيات، أو توجيه للرأي العام.

وأشرت إلى أن ''هذا الوضع الإعلامي المريب إذا ما ربطناه بما كان يتردد، ومنذ سنوات عن مشروعات تفتيت، وإشاعة للفوضى في بعض دول المنطقة، وبالأحداث المتسارعة التي يشهدها عالمنا العربي منذ بداية هذا العام، يثير كثيراً من التساؤلات عن الدور الذي تلعبه هذه القنوات فيما يرسم ويخطط لعالمنا العربي''.

هذه النقطة باتت جلية في تعامل الأطراف الغربية مع ما يحدث في مصر، وفيما يجري من محاولات قوى المعارضة على اختلاف مشاربها وتوجهاتها، بل وارتباطاتها، اختطاف مطالب هذه الجموع التي تبحث عن تحسين أوضاعها، للوصول إلى السلطة، بل ودخول أطراف أخرى من خارج هذه الأحزاب، وطرح أسمائها كبديل.

إن ما نحتاج إليه هو مراقبة الأحداث بعين الفاحص المتوجس مما يطرح على الساحة، وقراءة ما بين السطور، فقبل أيام عرضت إحدى القنوات الناطقة باللغة العربية مقابلة مع أحد الذين يدعون علانية إلى إثارة الفوضى، وعدم الاستقرار في عالمنا العربي، وهو توم دونلي الخبير في معهد انتربرايز، والذي عرفناه قبل احتلال العراق محرضاً، حيث عاد إلى الواجهة هذه الأيام ليدعو إلى إيقاع المنطقة في فوضى عارمة.

وطرحت هذه القناة استفتاء للمشاهدين، تضمن سؤالا نصه: هل الاحتجاجات التي تحصل في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا ستؤثر في الخريطة السياسية القائمة في المنطقة حاليا؟، وجاءت النتيجة المدرجة على موقع القناة، نعم، وبنسبة تجاوزت الـ90 في المائة.