مشاري الذايدي
مصر بعد مظاهرات الغضب، غير مصر التي عرفناها طيلة عهد الرئيس مبارك، نحن أمام صفحة جديدة في تاريخ مصر الحديث، قضي الأمر.
هناك ملاحظات على الجاري في مصر، منها أن الحديث عن شخص الرئيس حسني مبارك الذي يطالب المحتجون برحيله الفوري، لا يعني رحيل laquo;النظامraquo; كله.
رحيل مبارك فورا كما يريد المحتجون أو بسلاسة كما تعهد هو في خطابه الأخير، ليس إلا تسوية يقوم بها حماة النظام المصري الفعليون، وهم جنرالات الجيش المصري الكبار، فهم، بمؤسسة القوات المسلحة، عمود الدولة الفقري، وصورتهم أمام الشعب ما زالت صورة الحكم العادل والحضن الدافئ الذي يحتمي به المصريون. لا توجد مؤسسة فعلية على الأرض تملك أسباب القوة ومفاتيح السلطة على الأرض مثل الجيش، وما جرى منذ حركة ضباط يوليو (تموز) ضد النظام الملكي هو أن الحكم المصري كان يتداول من ضابط إلى ضابط.
إذن فهل تقبل مؤسسة الجيش المصري، أن يجتث نظامها ودورها كله بفعل غضبة المحتجين في ميدان التحرير؟ لا ندري.
مبارك، كشخص ومرحلة في حكم مصر شيء، وحكم المؤسسة العسكرية، الخفي، في مصر شيء آخر، فهل يريد المحتجون اجتثاث هذا الإرث كله أم مشكلتهم مع مرحلة مبارك فقط، خصوصا في مرحلتها الأخيرة؟
أمر آخر، إلى متى ستستمر مطالب المحتجين في مصر في حالة تصاعدية، وما هي النقطة التي يجب أن تتوقف فيها المظاهرات ليبدأ العمل السياسي وتتم ترجمة هذه المظاهرات والحشود التي يقول الكل إنها بلا رأس إلى صيغ مطلبية محددة وبرنامج إصلاح سياسي واضح عوض الشعارات التي لا تخرج عن هجاء حسني مبارك وشيطنته فقط؟
الاحتجاجات الشعبية حصدت إلى الآن مكاسب كبيرة على الأرض، فقد تعهد الرئيس شخصيا بأن تكون الشهور المتبقية من فترته الرئاسية هي الأخيرة، وتعهد بإصلاح الدستور والانتخاب مجددا في كثير من دوائر البرلمان، إضافة لتفويض نائب الرئيس بالحوار المفتوح مع المعارضة، كل هذا حصل في أيام، مكاسب كبيرة يبدو أن الغاضبين لم يلتفتوا لها في غمرة الغضب، خصوصا بعدما أخذت الأمور على الأرض منحى خطيرا من العنف في ميدان التحرير.
الأمور مرهونة بموقف الجيش المصري مع شخص رئيس الجمهورية والقائد الأعلى للقوات المسلحة، وبمسار الأمور بالنسبة للمظاهرات.
أخيرا، تثير بعض المواقف الدولية والإقليمية تجاه الأزمة المصرية الاستغراب، الإدارة الأميركية لم تكتف بالتعاطف مع مطالب الحركة الاحتجاجية، وهذا سلوك طبيعي ومفهوم للدولة الأم الراعية للحرية في العالم، بل استهدفت مبارك بشكل محدد ومنهجي، وكأنه صدام حسين! ونرى تصريحات متنوعة تقرعه وتطالبه بما معناه الرحيل الفوري. رغم أن بعض قوى المعارضة المصرية أبدت استعدادها لبدء الحوار، ورئيس الحكومة التركية أردوغان يقرع الرئيس المصري ويطالبه بالمزيد، ووزير الخارجية الجزائري يقول إنه يتعاطف مع الشارع العربي وإنه لا يجوز التعامل إلا مع حكومة منبثقة من إرادة شعبية، بمعايير برلمان ويستمنستر البريطاني!
حتى إيران دخلت بقوة على الخط وهي تستبشر بسقوط سلطة مبارك وتبشرنا بولادة شرق أوسط إسلامي جديد! والرئيس السوري بشار الأسد يوجه نصائحه للحكام العرب حول laquo;الانفتاحraquo; على الشعوب من أجل تحقيق الشرعية!
هذه كلها مواقف تمثيلية وغير صادقة.
نعم، مرحلة مبارك laquo;عملياraquo; انتهت، حتى ولو أكمل بقية أشهره في الرئاسة، لكن يبقى الأهم؛ وهو الحفاظ على بنية الدولة والنظام المصري والتيقظ لمن يريدون انتهاز هذه اللحظات التاريخية الحرجة في أم الدنيا.
التعليقات