مازن السديري

في لحظة غيظ وصف هيكل (الكاتب والمحلل السياسي )الرئيس مبارك بأنه صاحب أعصاب قوية ... رأيت بعيني ذلك عندما تعرض مبارك لمحاولة اغتيال في أثيوبيا وكان مطلقوالرصاص على بعد أمتار قريبة منه ، كانت ردة فعله ضحكة هادئة وعلق بأنه رأى أسوأ من ذلك عندما كان طيارا عسكريا.

اليوم مصر على مفترق الطريق بين جيل جديد يطالب بالإصلاح السياسي والتحسن الاقتصادي وتيارات دينية وأخرى ليبرالية ... وفي المنتصف يتخلى بعض الكتاب والفنانين عن الرئيس الذين هتفوا له كثيرا وفي الجهة الأخرى تجد الرئيس صلبا وقويا بين (ربعه القديم) وهوالجيش.

منذ اغتيال السادات وتخيل رئيس بحجم السادات يرحل في لحظات وقلق دولي اتجاه معاهدة السلام المصرية الإسرائلية وكذلك انتقال السلطة للنائب غير المعروف بشكل عام وقت ذاك (مبارك) وهل سوف تسقط الجماعات الإسلامية النظام السياسي المصري.

تعامل مبارك مع كل ذلك بهدوء...انتقلت السلطة عبر الدستور حيث تولى (صوفي أبوطالب )رئيس مجلس الشعب مرحلة الانتقال دون تجاوزات أو تصرفات تدل على قلقه من وزير دفاعه القوي آنذاك (أبوغزالة) ، ولم يدخل في مواجهات دموية ضد الجماعات الإسلامية وقت ذاك بل تركهم للقضاء ولم يعدم إلا قاتل السادات المباشر (خالد الإسلامبولي)ويوجد على اسمه شارع في طهران عاصمة إيران، وكان أول قرارات مبارك الإفراج عن المعارضة السياسية ومن ضمنها كان ( هيكل).

كان معاوية رضي الله عنه يقول ( وتجلدي للشامتين أريهم أني لريب الدهر لا أتزعزع) وكان يقول (لوبيني وبين الناس شعرة ما انقطعت) مبارك ماهر في امتصاص شحنات غضب خصمه ولا يلجأ للعنتريات لكي يواجه الاستفزازات...في رأيي ان مبارك نجح في شيئين هما رفع حرية التعبير أكثر من جميع الدول العربية بما فيهم لبنان بل انه الحاكم العربي الوحيد الذي توجد معارضته في الداخل بعكس زمن عبدالناصر الذي أوجد ثقافة الحكم البوليسي والتي للأسف انتقلت للكثير من الدول العربية، والنجاح الآخر خارجي حيث عادت مصر بعد قطيعة السادات إلى صفها العربي ولم يكن يختلف بلدان عربيان إلا تجد مصر تصالح بينهم.

أما سلبية مبارك فكانت عدم القدرة على تحقيق التنمية الاقتصادية وليس صحيحا أن سرعة الزيادة السكانية هى السبب الرئيس... السبب كان اعتقاد الحزب الوطني أن الإتيان بحكومة (رجال أعمال) سوف تحقق تنمية أكثر من حكومتي (صدقي والجنزوري) اللذين حققا أرقام نمو معقولة برغم ضعف أسعار النفط خلال الثمانينات والتسعينات الميلادية...عاتب فكرة حضور رجال الأعمال مثقفو الحزب مثل مصطفى الفقي وأنيس منصور على صفحات جريدة الأهرام وأن أعضاء الحزب لا يمتلكون قاعدة جماهيرية.

اليوم لم تعد العقائد (الأيدلوجيا)تغير أنظمة الدول بل انه الاقتصاد (تضخم ونسبة البطالة ) والخدمات العامة مثل الصحة والعدالة القضائية هى مقياس الشعوب لإدارة أنظمتها ..الشعوب تنسى الماضي مهما كان مشرفا وتطالب بالمزيد من النمو وهذا حق...نسى الإنجليز تشرشل وصوتوا ضده ونسى الفرنسيون ديجول في استفتاء سنة تسع وستين ، واليوم جيل جديد تحت وطأة الفقر لا يشفع عنده أن هذا الرئيس هو من حقق ضربة النصر ضد إسرائيل...تقييمي أن مبارك كان يدير مصر عبر حفظ الاسقرار الأمني وإدارة السياسة الخارجية تاركا بدون مركزية للحزب إدارة التنمية وتشكيل الحكومة والتي للأسف استورد الفكرة الأمريكية بإحضار رجال الأعمال أغلبهم لا يهمهم إلا مصالحهم للإدارة...في أي كتاب اقتصادي يشرح سيطرة اللوبيات ونفوذ رجال الأعمال في أمريكا...تجد سفراء أمريكيين في الشرق الأوسط كل مؤهلاتهم أنهم عملوا في شركات النفط لذلك تجد الجهل المطبق الأمريكي في التعامل مع القضايا الخارجية، واليوم تقف الولايات المتحدة في حيرة من الحدث ،ولكن الشجاع والحكيم عبدالله بن عبدالعزيز كسر ( الحصار الدبلوماسي) على مبارك وعادت الاتصالات الدوليه به ... مبارك الواثق لا أظن أن تسقطه هذه الانتفاضة ولكن تحديه القادم هل سيبقى للانتخابات الرئاسية بعد أشهر..ليس الخاسر هي المعارضة المصرية بل مصداقية قناة الجزيرة.