هدى الحسيني

laquo;الشعب يريد إسقاط النظامraquo; قد تكون هذه من أروع العبارات التي تحمل الكثير من معاناة الشعب وطغيان النظام، لكن، ماذا بعدها؟

هناك خوف من أن يصاب الشباب بالخيبة لاعتقادهم بأنهم إذا تخلصوا من الرئيس حسني مبارك فإن الأوضاع قد تتحسن، ويعرف النظام أن هؤلاء الشباب غير مجربين؛ لهذا فمن السهل التلاعب بمشاعرهم وأحلامهم وطموحاتهم، فالنظام هو المجرب، لا بل هو المحنك والمراوغ، لكنه ترهل واهترأ.

الذي صار واضحا أن التغيير وقع في مصر بقي مبارك أو رحل، لكن التغيير على المدى القصير قد يكون سلبيا، هذا ما توصل إليه سياسيون وخبراء في جلسة مغلقة عقدت في لندن، جاء فيها أنه ولو أخذنا السيناريو الأفضل، بأن يرحل مبارك ويتسلم نائبه عمر سليمان السلطات وينجح هو والجيش في إعادة الاستقرار (هذا أفضل السيناريوهات) فإنه في ظل الوضع المحلي لمصر ومواقف أميركا وأوروبا، سيكون من المستحيل عدم الأخذ بعين الاعتبار طرفين من القوى على الساحة المصرية سيكون لهما تأثير سلبي.

الأول: الإخوان المسلمون (قال عصام العريان: بعد رحيل مبارك ستكون الشريعة هي الأساس)، وهم إذا وصلوا إلى السلطة الآن أو لاحقا، ستكون لهم كلمتهم، وستصبح المواقف المصرية متطرفة، ويكون التغيير نحو الأسوأ إن كان على صعيد الشؤون الداخلية أو الخارجية.

الثاني: قوى المعارضة المختلفة، فحتى إذا كانت بينها مجموعات ترغب في التعددية، فالتعددية الآن تعني إعطاء ما ترغب به النخبة المصرية الجديدة، وبالذات تبني مواقف راديكالية في الشؤون الخارجية ومواقف أقل تأثيرا في الشؤون المحلية.

الإخوان المسلمون رفضوا في البداية دعم المظاهرات وقال أحد المسؤولين، إنهم يؤمنون بالسير درجات درجات صعودا ويرفضون تحركات تلقائية تفرض لاحقا زعيما لا يتوقعونه.

بعدما نجحت المظاهرات في جذب الملايين، دخل laquo;الإخوانraquo; فيها، ويعملون حاليا على التركيز فقط على المطالب الداخلية ويخفون مطالبهم في السياسة الخارجية التي تحملت مسؤولية الكشف عنها إيران بالتصريحات العدائية للمرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي، وتركيا بتصريحات رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان المباشرة والعنيفة والكاشفة.

عندما ستأتي حكومة بديلة في مصر، لن تكون راديكالية كما الحال في إيران، إنما أقل راديكالية وأكثر تسللا، تقريبا كما يحصل في تركيا.

في إيران استقر الوضع على نظام متطرف، هذا لن يحصل في مصر، فالمصريون مختلفون. في إيران انهارت المؤسسة العسكرية إذ تفكك الجيش وفقد وضعه، وهذا من غير المتوقع في مصر. فالجيش المصري لا يسيطر فقط على الناحية العسكرية في الحياة المصرية، بل يسيطر أيضا على الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية. والجيش سيصر على الاحتفاظ بوضعه في المجتمع المصري، وكانت قيادته حكيمة في المظاهرات الأخيرة، بأن حمت الجيش من غضب الناس. لذلك فإن موقع الجيش لن يهتز بالكامل، لكن بمجرد التحول إلى حالة تعكس إرادة الشعب أكثر، وبالذات إرادة النخبة الجديدة، لا يمكن تجاهل واقع أن الإخوان المسلمين هم الأقوياء. من هنا، فعلى الأقل أن ثلث التأثير المقبل على الحكومة سيكون وراءه laquo;الإخوانraquo;، فهم القوة الوحيدة المنظمة، بفضل النظام، والناحية الإيجابية الوحيدة عندهم أن لا زعيم قويا لديهم مثل السيد قطب أو حسن البنا، لكنهم منظمون ويتمتعون بدعم طبقات المجتمع.

حكم الشريعة لن يكون القانون غدا، لكن مصر ستسير في هذا الاتجاه وسيظهر عندها laquo;الإخوانraquo; تطرفا في مواقفهم تجاه الدول المعتدلة، وتجاه أميركا وبالتأكيد تجاه إسرائيل، وستتعرض مصر لوضع مزدوج كما الحال في تركيا. أي إن الجيش يريد شيئا والإخوان يريدون شيئا آخر، وعندما يتوصلان إلى نوع من الاتفاق، لن يكون اتفاقا مستقرا أو مسؤولا.

في الندوة نوقشت السياسة الإقليمية حيث كانت مصر حجر الزاوية لرغبة الوقوف في وجه التطرف الإيراني. قيل: فإذا نظرنا إلى الشرق الأوسط هناك أربع دول رئيسية في المنطقة: إيران وتركيا وإسرائيل ومصر. ما لدينا الآن: إيران راديكالية، تركيا تسير في هذا الاتجاه وتقف مع إيران، وكانت مصر القوة الوحيدة مع السعودية التي يمكن أن تشكل التوازن المطلوب.

هذا التوازن أفقدته المظاهرات الأخيرة عصب قوته، والأمر الآخر أن قوى المعارضة، غير laquo;الإخوانraquo;، لا قيادة موحدة لها، وقد تتنافس على من هو الأكثر وطنية في مصر، وهذا التنافس يزعزع الوضع.

إذا تكلمنا نظريا، نريد أن تستمر مصر في المحافظة على النمو الاقتصادي الذي عاشته في السنوات الأخيرة، شرط أن توزعه بعدل على الشعب وليس فقط على laquo;القطط السمينةraquo; كما الحال الآن. لكن، من سيستثمر في مصر غير مستقرة، وكيف يمكن في وضع متأرجح المحافظة على نمو بمعدل 5 في المائة؟

الدعم المالي الأميركي لن يصب في الاقتصاد بل سيصل أغلبه إلى الجيش المصري، فغير ذلك تفقد أميركا القوة الوحيدة في مصر الممكن الوثوق بها، وما سيتبقى عن حاجات الجيش، لا يمكنه التعويض عن واقع أن الناس سيترددون في الذهاب إلى مصر بسبب التطرف الإسلامي الذي سيظهر. ثم إن المشكلة الاقتصادية في مصر ضخمة وعميقة، وحتى الدعم المالي الأميركي لا يمكن أن يعوض عن الشعور بعدم اليقين الذي سينتاب السياح الأجانب والمستثمرين.

لكن أين إسرائيل من كل هذا؟ سيصبح الوضع أسوأ بالنسبة إليها، حتى الآن هي تعاملت مع افتراض أنه لو دخلت في حرب، فإن خطر المواجهة مع مصر ليس قائما. لمصر جيش كبير، تسليحه جيد ومتطور، ومدرب أحسن تدريب. بعد أحداث مصر. لم يعد باستطاعة إسرائيل افتراض أنه في الحرب المقبلة فإن الجيش المصري لن يشارك. ليس متوقعا إلغاء اتفاقية السلام أو دخول الجيش المصري في حرب مع إسرائيل. لكن، حتى لو كانت هذه الاحتمالات قليلة إلا إنها صارت محتملة وواقعا وصار على إسرائيل أن تبني جيشا أكبر، وأن تصرف نسبة أكبر من مدخولها السنوي على الجيش، ثم لم يعد باستطاعتها الوثوق بالمصريين في ما يتعلق بالمسألة النووية الإيرانية، أو في وصول المتطرفين إلى السلطة في الشرق الأوسط. أعمدة الاستقرار التي اعتمدت عليها إسرائيل في المنطقة تتزعزع، تركيا ذهبت، ومصر على طريق التحول.

كشفت الأحداث عن خطأ التعامي في التعامل مع أميركا. وتبين للدول أنها إذا تعاملت مع الولايات المتحدة لعقود طويلة، فإنها تقبل بك حتى لو زورت الانتخابات وقمعت شعبك وأحطت نفسك بحاشية من laquo;القطط السمانraquo;، لكن في اللحظة التي تقع فيها في مشكلة فإنها تنضم إلى أعدائك.

إسرائيل تعتمد كثيرا على أميركا، لكن نظامها يعتمد على ما يريده الشعب الإسرائيلي، ورأى النقاش أنه عندما تفقد واشنطن أنقرة والقاهرة ويسير الشرق الأوسط نحو التطرف، فإن إسرائيل قوية ومستقرة تصبح أكثر ضرورة لأميركا من السابق. ضمن هذا المفهوم لا مشكلة لدى إسرائيل بل ستكون مشكلتها في الاستقرار الإقليمي، لأن الثقة الأميركية لن تكون كافية عندها. ومن الأفضل لاستقرار إسرائيل أن تكون هناك عدة دول شرق أوسطية تثق بها أميركا.

هذا الوضع قد يدفع واشنطن إلى معاودة إغراء أنقرة، فتركيا تتطلع إلى القيام بدور الوسيط بين العرب وإسرائيل وتطمح إلى أخذ دور مصر في هذا المجال الذي قد توسعه لتكون وسيطا لأميركا مع إيران أيضا.

هل يتحول اندفاع الملايين من المصريين لإسقاط النظام باسم الشعب، إلى لعبة أمم كبرى؟ الاحتمال وارد.