أحمد جمعة

وأخيراً التقيا في هدف واحد مشترك على أرض مصر العربية، أمريكا وايران اللذان يدعيان بعدائهما الواحد للآخر.. التقى المرشد للجمهورية الاسلامية مع رئيس البيت الأبيض.. التقت مصالحهما في مصر بكل وضوح ومن دون ستار، فأصبح التدخل السافر والمباشر والواضح في الشأن المصري جلياً من خلال التحريض والتوجيه.
لا يعنينا ان بقى أو رحل الرئيس مبارك فهذا شأن الشعب المصري وشأن الملايين منه سواء تم ذلك مباشرة أو بصورة تدريجية أو من خلال أي وسيلة يرتضيها الشعب المصري فهذا خياره وهذه دولته وهذا شأنه ولا أحد يشكك في قدرة الأخوة المصريين بكافة شرائحهم وطبقاتهم على امتلاك خيارهم وحريتهم في تحديد مستقبل بلدهم بعيداً عن التدخلات الاجنبية، وما رأيناه في الأيام القليلة الماضية وخاصة الموقف الامريكي المستغرب الذي كان يدعو فيما سبق لعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، هل يعني هذا الموقف ان الادارة الامريكية الحالية تنسف السياسة الخارجية لها التي تعهد الرئيس الامريكي الديمقراطي بأنها لن تتغير خلال حملته الانتخابية؟ ولماذا هذا التحول الجذري في السياسة الامريكية التي يعرف الكثيرون انها سياسة خرقاء منذ ثبت فشلها حتى الآن في العراق والتي جعلت العراق ولاية ايرانية بامتياز؟
كما قلت لسنا معنيين بما اذا استمر الرئيس المصري في منصبه أو رحل فهذا من شأن المجتمع المصري برمته أن يحدده ولا معنى على الاطلاق ان يناقش البيت الابيض علنياً مسألة رحيل الرئيس مبارك، فبأي صفة تسمح الولايات المتحدة الامريكية لنفسها بالتدخل السافر في تحديد الخيار للدولة المصرية؟ فإذا كانت المساعدات الامريكية للولايات المتحدة هي الدافع فهذا لا ينفي ان مصر قدمت الكثير للولايات المتحدة خلال العقود الماضية ثمناً لهذه المساعدات ويعرف المسؤولون الامريكيون انهم اعتمدوا على مصر وعلى الرئيس مبارك في الكثير من المواقف التي جرت في المنطقة وبهذا لا مجال للمنة على مصر بالمساعدات الامريكية، فأمريكا لا تعطي شيئاً بالمجان ولا تساعد لعيون الدول ولكن ان يصل الموقف إلى هذا الحد فعلينا اليوم ليس فقط الحذر من الولايات المتحدة بل والعمل على تقليص اعتمادنا عليها كدول عربية، واذا كان الرئيس الامريكي السابق جورج بوش قد ارتكب اخطاء هنا وهناك وخاصة في العراق فان الرئيس الحالي للبيت الابض قد هدم السياسات الامريكية المعتدلة المتبقية، ودفع باتجاه التحريض على الدول وهذا أمر غير مقبول حتى من قبل المعارضة في هذه الدول وقد بدا واضحاً من خلال الموقف الشعبي المطالب برحيل الرئيس مبارك نفسه انهم غير راضين ولا متعاطفين مع التدخل الامريكي في السياسة التي يتبعها البيت الابيض وقد خسر العالم المصري الملتحي مؤخراً والمعارض والمهتم بالشأن النووي والعائد مؤخراً إلى مصر محمد البرادعي خسر الكثير بسبب ارتباطه بالسياسة الامريكية وتمثيل مصالحها في المنطقة.
لماذا التقت المصالح الامريكية الايرانية على أرض مصر؟
الواضح ان الطرفين اعتقدا ان الدولة انهارت وان التفاحة على الشجرة نضجت ويجب قطفها قبل أن تسقط ولكن هل هو دقيق هذا الاعتقاد؟
من لا يعرف المصريين ولا يعرف وسطيتهم واعتدالهم وحبهم لبلدهم لن يصدق انهم ضد أي تدخل في شؤونهم الداخلية، ولمن يدرك ان الشعب المصري ومنذ ما قبل الثورة المصرية بعقود طويلة اعتزازهم بعروبتهم وحبهم للدولة القوية المتماسكة سوف يصدق ايران والولايات المتحدة ستحصد شيئاً من هذا التدخل وبالتالي سوف يراهن على هذا الانهيار للدولة الذي يسمح للتدخل الامريكي الايراني .. من هنا علينا ان نصدق بأن ذلك لن يحدث سوى تخلى الرئيس المصري مبارك عن بقية ولايته أو بقى فسوف تبقى الدولة قوية ومتماسكة في كلا الحالتين ولن ينفع الرهان من أين جــاء مصــدره. وهـــذا ما لم تفهمه السياسة الامريكية كعادتها دائماً.