سمير عطا الله

يروي ليتون ستراشي، مؤلف laquo;مرموقون من العصر الفيكتوريraquo;، حكاية رائدة مهنة التمريض فلورانس نايتنغيل، فيقول: إنها عندما كانت طفلة، كانت شقيقتها تمزق الدمى، فتعيد هي خياطتها من جديد. وعلى الرغم من ثراء العائلة ونسبها، أصرت فلورانس على إسعاف جرحى الحروب، وكانت بذلك رائدة إحدى أنبل المهن البشرية.

عندما ظهرت قبل أيام laquo;لجنة الحكماء في مصرraquo;، تذكرت المس نايتنغيل. كان في الشارع من يرمي القنابل الحارقة ويركب ويقتحم الجموع على ظهور الجمال والخيل، وكان هناك من يحاول رتق ثوب مصر الممزق. كنت سعيدا بهؤلاء السادة، وكنت فخورا بالمودات التي تجمعني بهم. وأعتذر أنني لم أطلع على جميع الأسماء المكرمة: الدكتور أحمد كمال أبو المجد، الدكتور نبيل العربي، المهندس نجيب ساويرس، الزميلان سلامة أحمد سلامة وجميل مطر، الدكتور يحيى الجمل، الدكتور محمد العوا، وغيرهم.

وسط الغوغاء والخوف والصخب وقبح العنف في الشوارع، ظهرت جماعة من الشجعان التي تمثل روح مصر. ولم يكن هذا موقفهم وحدهم بالطبع؛ فالأكثرية المصرية الساحقة كانت تشعر بالخجل مما وصل إليه الحال في شوارع القاهرة، لكن أعضاء اللجنة استطاعوا، على الأقل، الوصول إلى منبر يخاطبون منه ذلك الجزء من الناس الزاحفين نحو اصطدام مريع، بل نحو نوع مخيف من ملامح الحرب الأهلية. وبينما غابت الدولة (حتى ظهر الخميس)، وغاب ناطق حقيقي لجميع المعارضة، وبدأ العقل يغيب، كان لا بد من فريق لم يفقد هدوءه ولم يفقد اتزانه ولم يفقد تبصره فيما يحدث وقد يحدث على أرض مصر.

منذ أيام ومشهد واحد يتسمر العالم أجمع أمامه: ميدان التحرير، الذي تحول من ساحة تجمع مسالم إلى ساحة وغى وعراك وحجارة وموت وجمال وخيول ورصاص مجهول وزجاج متطاير وألواح تنك. وكان الجميع يتساءل: أين مصر؟ لم يعجب ظهور laquo;لجنة الحكماءraquo; مراسل إحدى الفضائيات، فسأل الدكتور يحيى الجمل، أو يحيى الخلق والأدب والصبر: laquo;وهل بينكم من هو في الأربعينraquo;؟ واعتذر الدكتور الجمل عن عدم توافر هذه الفئة العمرية. آسفون يا سيدي. ليتك فرضت هذا الشرط من قبل على مصطفى كامل وسعد زغلول. من المحزن، أمام هذا المشهد المزلزل في تاريخ الأمة، أن نقيم حاجز هويات، مقاييسه تاريخ الولادة، أو مكانها.