إياد الدليمي

يتساءل الكثير وأنا معهم، لماذا لا يتنحى الرئيس المصري حسني مبارك بعد أكثر من أسبوعين من التظاهرات المطالبة برحيله، التظاهرات التي باتت أكبر وأكثر حشدا ودعما شعبيا عن الأيام الأولى لانطلاقتها، والتي نجحت لتكون ثورة بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، إذن لماذا لا يستقيل؟
الثورات دائما ما تكون منجما لاكتشاف الكثير من الأشياء، بعضها سلبي وأكثرها إيجابي، الثورات دائما ما تكون بدايات لتصحيح أخطاء وتغيير مواقف، وفي الثورة المصرية شاهدنا كيف انقلب الكثير من مؤيدي مبارك ونظامه، كيف أن العديد من الصحف التي كانت توصف بالقومية في مصر انقلبت وصارت معارضة أكثر من صحف المعارضة ذاتها، شاهدنا كيف أن استمرار الثورة ونجاحها حتى الآن قلب مواقف الإعلام المصري الذي يوصف بالخاص، من رفض وتشكيك في الثورة وشبانها إلى تأييد وتأكيد على شرعيتها.
الثورة دائما ما تكون فجرا تنتهي معه حالة الغبش التي قد تصيب البعض، وها هي الثورة المصرية تقترب من تحقيق حلمها، تقترب من أن تصل إلى مرحلة ما بعد الثورة بتحقيق مطالبها التي نادت بها منذ الساعة الأولى.
ليس صحيحا أن ما أعلن عنه حتى الآن من تغييرات وتعديلات أقرها النظام المصري يشكل نصرا للثورة، كل ما تحقق يمكن أن ينقض بين ليلة وضحاها إذا ما استتب الوضع للنظام، الأهم من هذه الإصلاحات كما يصفها البعض، أن هذه الثورة شكلت حالة انتقال هامة في عموم الشارع العربي، حققت ما كان يوصف بالمعجزة حتى قبل أيام من انطلاقتها، حققت الشعور بالقوة لدى الشعوب، وإمكانيتها في التغيير.
هل شاهدتم الشاب وائل غنيم وهو يبكي بعد أن رأى صورة زملائه وأصدقائه الذين قتلوا على يد أجهزة النظام؟ الأكيد أنكم شاهدتموه، ولكن هل شاهده سيادة الرئيس حسني مبارك؟
ليس صحيحا أن ما يجري في مصر هي ثورة جياع يمكن أن تنتهي بجملة قرارات يكون على رأسها وأولها زيادة المرتبات وزيادة الدعم على بعض السلع وما إلى ذلك، ثورة شباب مصر اليوم هي ثورة استرداد الكرامة.. استرداد الحرية.
جيل الثورة المصرية ومن قبله ثورة الياسمين في تونس، يختلف عن الأجيال التي اعتاد حكامنا على حكمهم، جيل اليوم هو جيل يعرف ما معنى الحرية، يعرف ماذا تعني كرامة الإنسان، يعرف جيدا أن الوزير ليس أفضل منه، وأن الرئيس ما هو إلا موظف، موظف لدى الشعب، الشعب هو السلطة الوحيدة على كل أرض الوطن، فكيف بجيل كهذا من أمثال وائل غنيم يتعرض للإهانة كل يوم في بلده وعلى يد شرطي ربما لا يعرف حتى القراءة والكتابة؟
هل شاهدتم تلك الفتاة المصرية في المنصورة وهي تهتف بجموع المحتشدين المطالبين بتنحي الرئيس؟ أكيد شاهدتموها، ولكن لماذا لم يشاهدها سيادة الرئيس؟
كانت تقول laquo;اهتف اهتف علي الصوت.. اللي بيهتف مش حا يموتraquo; لماذا لم يسمعها سيادة الرئيس؟
نعم لم يشاهدها، ولم يسمعها، ولا يبدو أنه شاهد الجموع في ميدان التحرير، ولا أعتقد أنه يعرف أن هناك شابا مصريا مثقفا ومتعلما يحمل فكرا متنورا يريد أن يرى بلده أجمل وأفضل اسمه وائل غنيم، ولا يمكن لسيادة الرئيس أن يكون قد جلس ولو لمرة واحدة في ليالي القاهرة الباردة وشاهد قناة الجزيرة الفضائية ليرى ما يقوله شعبه.
سيادة الرئيس لا يرى ولا يشاهد سوى التلفزيون المصري، التلفزيون الذي يعتقد أنه أنشئ من أجله، وبالتالي فإنه لا يجب أن يبث ما يزعج سيادته، فكيف له أن يرحل؟ كيف له أن يتنحى وهو لم يسمع نوارة نجم، ولم يشاهد دموع وائل غنيم، ولم يتعرف بعد على طارق حلمي جراح القلب المشهور الذي ترك عيادته ونزل مع المتظاهرين في ميدان التحرير، وليس على لسانه سوى كلمة laquo;ارحلraquo;؟
سيدي الرئيس، ارحل من فضلك، إنها فرصتك وفرصة كل الزعماء القمعيين، فرصتكم لترتاحوا، فشباب اليوم قادم يحمل أفكار التغيير الإيجابي، ولن يترككم، لن يقف إلا وهو يرى تلك التماثيل الصنمية التي laquo;عتقتraquo; وهي تحكم وقد تهاوت الواحد تلو الآخر، إنه شباب الوطن، شباب الحرية والكرامة، شباب الفجر القادم.