عبدالله اسكندر


تدخل حركة الاحتجاج المصرية أسبوعها الثالث. وهي لا تزال ترفع المطالب التي نادت بها منذ يومها الأول، سواء في التجمعات والتظاهرات اليومية أو في الحوار المتعثر مع السلطات. إنها شعارات تتعلق بالحريات العامة والانتخابات الشفافة ومكافحة الفساد وتعديل المواد الدستورية التي تحد من الحريات السياسية والتعبير.

لا بل انطلق اول تجمع للشباب المصري في 25 كانون الثاني (يناير) للتضامن مع شعارات مماثلة رفعتها حركة الاحتجاج في تونس. ولم يشذّ عن هذه المطالب أي طرف مصري، بما في ذلك جماعة laquo;الإخوان المسلمينraquo; التي استمرت بالتمسك بالمطالب السياسية والاجتماعية المتعلقة بطبيعة الحكم. وإن سعت الجماعة إلى تمايز في بعض المناسبات لم ترفع أي شعار خاص بها، خصوصاً في ما يتعلق بمعاهدة السلام مع إسرائيل التي ناهضتها منذ توقيعها.

كما أن المفاوضات بين السلطة المصرية، بإشراف نائب الرئيس عمر سليمان، وبين أطراف في المعارضة بمن فيهم laquo;الإخوانraquo;، لم تتطرق لا من قريب ولا من بعيد إلى العلاقة مع إسرائيل أو المعاهدة معها أو الموقف الرسمي المصري منها.

وهذا يُظهر بما لا يقبل أي شك أن شعارات الإسلام السياسي والصراع مع إسرائيل لم تكن محرك الاحتجاجات المصرية. وإنما حرّكتها مطالب ذات طبيعة سياسية واجتماعية داخلية. وإن كان ذلك لا يستبعد احتمال أن تستغل أطراف مصرية مناهضة لعملية السلام المواجهة الحالية من اجل تحسين ظروف المشاركة السياسية اللاحقة، والدفع في اتجاه سلوك مصري معين إزاء إسرائيل. علما أن أحداً لم يطالب بإلغاء معاهدة السلام، وان أقصى ما يمكن ان ينتج عن المواجهة الحالية، في هذا الشأن، الاستمرار في السلام البارد الذي اعتمده الرئيس حسني مبارك.

كل ذلك يدحض النظرية الرسمية التي اعتمدتها إيران، ولقيت رواجاً لدى أنصارها وأتباعها وحلفائها، حول أن ما يجرى في مصر ينطلق من مشروع إسلامي سياسي أو نتيجة الرغبة الشعبية في دخول حرب مع إسرائيل. فهذه النظرية تحاول أن تطمس كل المطالب الاجتماعية والسياسية للمحتجين في مصر. وتحاول أيضاً أن تلبسهم مشروعاً لم يظهر له أي أثر في مطالبهم وشعاراتهم. فلا هم نددوا بـ laquo;الخضوع للأوامر الإسرائيليةraquo; ولا نادوا بـ laquo;إقامة دولة إسلاميةraquo; ولا ادعوا laquo;الدفاع عن الكرامة العربيةraquo;... وإن كان هناك إجماع مصري شعبي على المواقف من القضية الفلسطينية وطبيعة الصراع مع إسرائيل. أي أنها تسعى إلى حرف طبيعة المشكلة من كونها نتاجاً لوضع داخلي إلى اعتبارها نتاجاً لمشروع سياسي خارجي.

فاهتمام السلطات في إيران بالوضع المصري الحالي، في هذا المعنى، هو نوع من رد مسبق على تحديات داخلية، معطوف على قدر من الانتهازية السياسية.

لقد استقطبت الاحتجاجات المصرية تعاطفاً واهتماماً واسعين عبر العالم. وإن كانت لكل أهدافه من هذا الاهتمام. وبدا الاهتمام الإيراني بمطالب المصريين متعارضاً مع مواقف إيرانية من مطالب اجتماعية وسياسية في بلدان عربية حليفة لطهران، ما ينزع عنه صفة الاهتمام النزيه.

كما ان الاعتراف بالجذر الداخلي للمشكلة المصرية يعني ضمناً الاعتراف بجذر مماثل لحركة الاعتراض الداخلية الإيرانية التي انفجرت بعد الانتخابات الرئاسية الأخيرة. فالحملة الرسمية على المعارضة الإيرانية تركز على كونها تخدم مصالح عدو خارجي، وليست تعبر عن نقمة على ممارسات داخلية للحكم. وأي اعتراف باحتمال أن يكون المصريون يعترضون على وضع داخلي يعني الاعتراف بحق المعارضة الإيرانية بتحرك مماثل، وتالياً نزع القدسية عن الحكم الإيراني. كما انه ينطوي على الاعتراف بأهمية الحكم الديموقراطي والدستوري وتداول السلطة وإنهاء عصر الحاكم حتى الوفاة... وهو اعتراف لا يبدو أن السلطة الإيرانية الحالية، وحلفاءها وأنصارها في المنطقة العربية، في وارد الإقدام عليه.