عبدالرحمن صالح الحريّص

شكراً تونس الملهِمة، وشكراً مصر الحرّة، لقد علّمتم العالم كيف تنتفض الشعوب على الظلم والاستبداد، وكيف تفوز بالحرية، وكيف تقهر الذل، وكيف تنتصر للعزة.. ثوراتكم كانت مدرسة لكل من يرنو إلى حياةٍ حرّة وعيشٍ كريم، كنتم تقدمون الدروس حيّة على الهواء، تعرضها كل شاشات الأرض بكل لغات الأرض لكل سكان الأرض، فما الذي يمكن أن نسجّله بعد هذه الثورات.
قامت الثورات في مصر وتونس عندما آمن الشعب بقدرته على التغيير، وعندما كسر حاجز الخوف، حينها خرج الناس إلى الميادين والشوارع لا يرون إلا النصر، وعندما يتحرك طوفان الشعب الحُرّ، لا تستطيع إيقافه أعتى أجهزة الاستبداد والقمع، فكان لهم النصر.
لم أشاهد الشعوب العربية قويّة من قبل كما أشاهدها الآن، ولم أشاهدها على قلب رجل واحد من قبل كما أشاهدها الآن، فعندما تكون شعوبنا قوية تجتمع وتتآلف وتنتصر على أعتى الديكتاتوريات، وعندما يسودها الضعف تتقاتل على مباراة كرة قدم.
حين تكون الشعوب قويّة، يظهر العمق الحضاري لهذه الشعوب على سلوك أفرادها، فالمشهد المُبْهر للمتظاهرين المصريين وهم يقومون بتنظيف ميدان التحرير بعد انتصار الثورة لا يمكن تفسيره إلا بأن هذا الشعب العظيم يتكئ على قيم حضارية وتاريخية راسخة وعميقة.
عندما أقرأ وأسمع وأشاهد حديث المصريين والتونسيين بعد انتصار ثوراتهم، أشعر أنهم باتوا وكأنهم يحبون أوطانهم بشكل أكبر من ذي قبل، فهم يشعرون أن أوطانهم كانت مختطفة والآن أعادوها بأيديهم، فأصبحت تشبههم وتمثلهم.
شخصية المواطن المصري والتونسي تغيّرت، فأصبحت شخصيته أقوى وأصبح يرفع صوته جهوراً عالياً لا يخشى أحداً، باتت تلك الشعوب مقبلة على الحياة أكثر بكثير من ذي قبل، تشعر بأن أحدهم ممتلئ حيويةً وطاقة، وفيه نهمٌ كبير لبناء وطنه على أسس متينة.
قوة تلك الثورات تكمن في أنها لا تتبع أحداً إلا الشعب، ولا يمثلها أحد إلا الشعب، وهذا من أعظم أسباب انتصارها.
من حسنات هذه الثورات أنها أزالت الأقنعة وعرّت الوجوه، فأصبحنا نميّز بوضوح بين المنافقين الكاذبين، وبين الأحرار الصادقين، لم تكن تلك الوجوه عارية من قبل كما هي الآن، باتوا معزولين مدحورين، فأصبحنا نرى بوضوح الإعلام الذي يمثّلنا ويعبر عن نبضنا وبين الإعلام المأجور الذي ما فتئ يلمّع الفاسدين ويبث الأكاذيب، فمن الآن وصاعداً لا مكان للمنافقين على شاشاتنا وصفحات جرائدنا، فالدول القائمة على العدل والحرية هي أرض جدباء لنمو النفاق والتملّق.
للمرة الأولى تتحدث القوى العظمى ndash;مجبرةً- عنا نحن الشعوب العربية بطريقة مختلفة، ونبرة فيها الكثير من التودد والتقرب، بعدما أدركت قوة هذه الشعوب وباتت تحسب لها ألف حساب، على عكس ما كان سابقاً، فثورات الأحرار غيّرت كل المعادلات و laquo;المسلّماتraquo; السياسية.
إسرائيل لم تكن في حالة ارتباك وخوف وتوجس ورعب من ذي قبل كما هي عليه الآن، فالحكام الذين يحمون حدودها خلعتهم الشعوب، والخوف الآن في إسرائيل هو خوف وجود، وهذه أولى الثمرات والخير قادم.
بعد هذه الثورات المباركة اكتشفنا معلومة علميّة مهمّة، وهي أن laquo;الديناصوراتraquo; بطيئة الفهم وأحياناً لا تفهم إطلاقاً، وإذا فهمت فهي تفهم في الوقت الضائع، وهذا ما يفسّر تزايد انقراضها في عالمنا العربي.. اللهم زد وبارك.