عدنان أبو زيد : في الحلقة الخامسة في سلسلة حوارات إيلاف مع الكتاب والمثقفين العرب، حول أحداث الساعة وقراءات النخب المثقفة المستقبلية لها، قال الصحافي والكاتب اللبناني سعد محيو، صاحب الحضور في الوسط الصحافي والثقافي العربي عبر وسائل الميديا والحوارات والمقالات، ولا سيما عموده الصحافي في جريدة quot; الخليج quot; الإماراتية، قال إن المثقفين الجدد يغيّرون الآن الواقع والتاريخ وحتى الهوية العربية، ولذلك يجب التفكير بهم لمعرفة ماهية الحاضر وطبيعة المستقبل. أما الجيل السابق فلن يكون أمامه من الآن فصاعدًا سوى quot;الشعور بالذنبquot; وحتى الشعور بالنقص من هذا الجيل الجديد الهائل والرائع، والذي همّش كل الخطب بما في ذلك خطب رجال الدين. وحول الدعوات إلى عروبة الجديدة، يرى محيو انه لا مناص من عروبة جديدة، وهي كما يراها عروبة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والعدالة الاجتماعية، ويرجع محيو ذلك إلى سببين: الأول، أنه ليس هناك هوية أخرى طائفية أو مذهبية أو دينية أو حتى quot;وطنيةquot; يمكن أن تحل مكان رابطة العروبة، والثاني أن العولمة في حاجة إلى سوق كبير يتعدى الـ300 مليون نسمة، وهذا ما سيوجب في نهاية المطاف توحّد العرب على الأقل في سوق اقتصادية واحدة تغلب عليها اللغة العربية.

كيف يرسم سعد محيو سيناريو التغيير في العالم العربي ؟
التغيير سيتم على الأرجح وفق القواعد التالية:
- مواصلة صعود ثقافة المواطنة وثورة الشباب لاستعادة حريات وحقوق المجتمع المدني، التي كان الجيل العربي السابق قد quot;أعارهاquot; للنخب الحاكمة بذريعة تحقيق التحرر ووحدة الأمة.
- انحسار، وربما الانهيار التام، للتحالف الثلاثي الراهن بين أجهزة المخابرات والجيش ورجال الأعمال الجدد (الكومبرادور)، ونشوء توازنات سياسية جديدة أساسًا بين المدنيين والعسكريين.
- دخول كل البلدان العربية في مرحلة الانتقال إلى الديمقراطية، هذه المرة بـquot;عدم ممانعةquot; من الغربـ،، وبمواكبة من الجيش بعد إعادة تحديد دوره.
- لكن يجب لفت الانتباه هنا إلى أنه ما لم يتم إصلاح أجهزة المخابرات العربية بشكل جذري، وحملها على الانتقال من القمع الأمني إلى الأمن الإنساني، فستبقى الموجة الديمقراطية العربية الراهنة حبرًا على ورق.
في العام 2009 طرحت في مقال لك عن مصر سؤالا quot; أين مصر من ldquo;الشقلباتrdquo; الكبرى التي يشهدها هذه الأيام النظام الإقليمي الشرق أوسطي؟.. ترى هل كانت نبوءة لما يحدث الآن... ؟
لم تكن نبوءة. الكثيرون كانوا يتوقعون ألا يستمر الوضع الداخلي المصري على حاله، على الرغم من ان طبيعة الثورة ومداها كانتا مفاجأة للجميع لان هذه كانت بحق أول ثورة شعبية للمصريين ضد quot;فرعونquot;. لقد غيّرت هذه الثورة هوية المواطن المصري إلى الأبد، ومعه ستتغير على الأرجح هوية المواطن العربي. لو كان جمال حمدان حيًا الآن لوضع مجلداً جديداُ عن quot;شخصية مصرquot;.
كيف يهيأ سعد محيو لمقاله الصحافي، وهل أثرت الصحافة الرقمية على الأفكار التي يطرحها مقالكم اليومي ؟
لا كتابة قبل قراءة لساعتين وأحياناً أكثر. وكاتب هذه السطور أكثر المستفيدين من الصحافة الرقمية التي توفر في دقائق ما كنا نحتاج إلى أيام لجمعه من معلومات. وبالطبع حين تتوافر المعلومات بهذا الشكل الكاسح، لابد أن تتطور الأفكار.
كيف يقرأ سعد محيو مستقبل الجرائد الورقية في ظل ثورة الصحافة الرقمية ؟
الصحف والكتب الورقية ستبقى إلى فترة طويلة على الأرجح، لكن مع اندماجها بالإعلام الاجتماعي. لماذا؟ لأن الحاجة ستبقى ماسة إلى تحليلات وquot; تغطياتquot; الصحافة الورقية كأساس حتى للصحافة الرقمية. على المدى الطويل، ستتحوّل كل صحيفة إلى كومبيوتر صغير (آي باد) يوزّع مجاناً على المشتركين.
أحداث تونس ومصر أفرزت تأثير المدونة ومواقع التواصل الاجتماعي على الشعوب، ويرى البعض أن ذلك أكثر تأثيرا من مقالات الكتاب في الصحف.. كيف توازن الأمر ؟
بالتأكيد هو أهم، والسبب يكمن في الأرقام. فالصحافة الاجتماعية (Social Media) قادرة على الوصول في لحظة إلى مئات الآلاف من القراء، وهذا مالا يتوافر الآن لمقالات الكتاب. يجب على الصحف استخدام الصحافة الاجتماعية لنقل المقالات إذا ما أرادت المنافسة.
هل صحيح أن الكاتب والمثقف العربي أسير المؤسسة آو الدولة التي تدعم الجريدة التي يكتب فيها.. هل هذا اتهام صحيح؟
نعم ولا. نعم، لأنه لا يستطيع أن يتجاوز الخطوط الحمر المرسومة في المؤسسة أو الدولة (وإلا فإن المقال ببساطة لن يُنشر)/ ولا لأنه يستطيع أن يستنبط ألف وسيلة إعلامية ومنطقية ليقول ما يريد قوله بـquot;طريقة أخرىquot;. quot;الباطنيةquot; هنا قد تفيد!
كيف يرى محيو مستقبل اليسار العربي في ظل تصنيف البعض لك بأنك quot; كاتب يساري quot; ؟
المستقبل سيكون لليسار الديمقراطي في حال تبناه الجيل الجديد، كما حدث في أميركا اللاتينية. إما حاضر اليسار فهو مثير للشفقة
ماذا بشان مشروع سياسي عربي تحت عنوان ldquo;العروبة الجديدةquot;، دعوت وآخرين إلى إحيائه ؟
لامناص من عروبة جديدة. عروبة الديمقراطية وحقوق الإنسان والمرأة والعدالة الاجتماعية. وهذا لسببين: الأول، أنه ليس هناك هوية أخرى طائفية أو مذهبية أو دينية أو حتى quot;وطنيةquot; يمكن ان تحل مكان رابطة العروبة (والدليل أوكار ديون الثورات المدنية في الوطن العربي راهنا). والثاني أن العولمة في حاجة إلى سوق كبير يتعدى الـ300 مليون نسمة، وهذا ما سيوجب في نهاية المطاف توحّد العرب على الأقل في سوق اقتصادية واحدة تغلب عليها اللغة العربية.
هل ندم محيو المعروف بتواصله الكتابي اليومي على مقال كتبه ؟
أجل. ندمت على كل كلمة كتبتها عن الجيل الجديد (بما في ذلك أولادي) حين اعتقدت أنه جيل quot;استهلاكي وسطحيquot;، فإذ به يُثبت أنه من أروع الأجيال في التاريخ العربي. وأنا هنا أقدم كامل اعتذاري له.
كيف ينظر محيو إلى مستقبل الديمقراطية في سوريا ؟ وهل ثمة موقف سياسي بخصوص العملية السياسية في سوريا؟
الديمقراطية في سوريا حتمية كتنشق الهواء، سواء اليوم أو غدا أو بعد غد. وأنا أصلّي كي يحدث الانتقال إلى الديمقراطية في إطار عقد اجتماعي تاريخي وسلمي جديد بين الحكام والمحكومين، شبيه بالصفقة quot;القوميةquot; التي أبرموها منذ العام 1970 حول مقايضة استقرار النظام بالعداء لإسرائيل. لكن أرجو ألا تبقى الصلاة مجرد صلاة في الهواء.
بعضهم يتهم الكتاب والمثقفين العرب بأنهم يسعون إلى إرضاء الحكومات، بدلاً من التعبير عن واقع الجماهير، ولهذا السبب فقدوا القدرة على تغيير الواقع، وربما حل محلهم كمعبر عن الإرادة الجمعية، الوعاظ ورجال الدين، كيف تنظر إلى الأمر بمجمله ؟
أنت تتحدث عن الجيل القديم من الكتاب والمثقفين الذين إما استسلموا بالفعل، أو تقاعدوا، أو حتى انحرفوا تحت شتى الأعذار. المثقفون الجدد يغيّرون الآن الواقع والتاريخ وحتى الهوية العربية، ولذلك يجب التفكير بهم لمعرفة ماهية الحاضر وطبيعة المستقبل. أما الجيل السابق (جيلي) فلن يكون أمامه من الآن فصاعدًا سوى quot;الشعور بالذنبquot; وحتى الشعور بالنقص من هذا الجيل الجديد الهائل والرائع، والذي همّش كل الخطب بما في ذلك خطب رجال الدين.