احمد عبد المعطي حجازي

إذا لم نعرف من أين جاءت ثورة الخامس والعشرين من يناير فلن نعرف أين ستذهبrlm;.rlm; أقصد أن معرفتنا لطبيعة النظام الذي رفضه الثوارrlm;,rlm; والأسباب التي دفعتهم لرفضهrlm;,rlm; والأفكار والمباديء

والخبرات التي منحتهم القدرة علي أن يفهموا طبيعة النظام ويروا مفاسده ويتصدوا له بشجاعة وصبر حتي أسقطوه ـ أقول إن معرفتنا لهذه الأسباب والدوافع والأفكار التي كانت وراء الثورة شرط أساسي لمعرفة الغايات التي تسعي لتحقيقهاrlm;,rlm; والنظام الجديد الذي تريد أن تؤسسهrlm;,rlm; والطريق التي ستسلكها لتأسيس هذا النظام وتحقيق هذه الغاياتrlm;.rlm;
هذا الشرط قد يكون غائبا بالنسبة لبعض الذين فاجأتهم الثورةrlm;,rlm; ربما لأنهم كانوا بعيدين عن النشاط السياسي الذي لم يكن متاحا للجميعrlm;,rlm; بل كان في معظم الأحيان محظورا مهددا محاطا بالأخطارrlm;.rlm; وكان شكليا وغير مجد في أحيان أخريrlm;.rlm; ولهذا انصرف الكثيرون عن السياسةrlm;,rlm; فلم يتابعوا ماحدث في الماضيrlm;,rlm; ولم يفكروا فيما يمكن أن يحدث في المستقبلrlm;.rlm; ومن هنا نسبوا الفضل للفيس بوك والهواتف المحمولةrlm;,rlm; وفسروا الثورة علي هذا النحو التبسيطي الذي يمكن أن تكون له نتائج خطيرةrlm;,rlm; لأنه يزيف وعي الناس بالثورةrlm;,rlm; حين يجردها من إنسانيتهاrlm;,rlm; ويجعلها مدينة فقط لبعض الآلات والأدواتrlm;,rlm; وحين يحصرها في فئة محدودة من الشباب تتحرك كما يري البعض علي نحو تلقائي فلا تستطيع أن تواصل الطريق وحدهاrlm;,rlm; وإذن فلابد أن تلجأ ـ كما يأمل هذا البعض ـ للمتربصين بالثورة المتأهبين لسرقتها أو ركوب موجتهاrlm;,rlm; والدفع بها في اتجاهات تعود بها القهقريrlm;,rlm; وتتناقض مع ماقامت من أجلهrlm;.rlm; وما أسهل أن يدعي هؤلاء أنهم مع الثورةrlm;.rlm; وما أسهل أن يتحدثوا عن الدولة المدنيةrlm;,rlm; وعن العدالة الاجتماعيةrlm;,rlm; وعن الديموقر اطيةrlm;,rlm; وعن حقوق الإنسان التي اغتالها كلها النظام البوليسي الساقط ومثل بها تمثيلاrlm;,rlm; وظل مع هذا يتحدث عنها ويدعي العمل بها ويسمي باسمها المجالس واللجانrlm;!rlm;
فاذا كان لابد من الاشارة لهؤلاء المتربصين فهم موجودون حيث يوجد المالrlm;,rlm; وحيث توجد القوةrlm;,rlm; وحيث يوجد التنظيم الحديديrlm;.rlm; وهم ينجحون في سرقة الثورة وتغيير وجهتها حين يتمكنون من تزييف وعينا بها وبالتاريخ الذي صنعها والتاريخ الذي تريد هي أن تصنعهrlm;,rlm; وهذا ما أود أن ألفت إليه النظر في هذا المقالrlm;.rlm;
rlm;gt;gt;gt;gt;gt;rlm;
ونحن نعرف التاريخ الذي صنع الثورة حين نعرف هدف الثورة أوغايتها التي تسعي للوصول إليهاrlm;,rlm; وأظن أننا متفقون علي أن غاية الثورة هي الحرية التي فقدها المصريون منذ سقطت بلادنا في قبضة الضباط الذين اغتصبوا السلطة في يوليو عامrlm;1952rlm; واحتكروها ثمانية وخمسين عاماrlm;,rlm; لم نذق فيها طعم الحرية اللهم إلا حين نجح ثوار يناير في إسقاط الممثل الأخير للإنقلابrlm;,rlm; وإرغامه علي أن يتخلي عن السلطةrlm;.rlm;
فهل هبط هؤلاء الثوار علينا من المريخrlm;,rlm; أم خرجوا من لحم المصريين ودمهمrlm;,rlm; وتعلموا من تاريخهمrlm;,rlm; وواصلوا السير في الطريق الذي سار فيه الآباء والأجداد؟rlm;!rlm;
هذا هو التاريخ الذي لا أستطيعrlm;,rlm; ولا غيري يستطيع أن يلم بأطرافهrlm;,rlm; فنحن نري طوال العقود الستة الماضية مسجونين بالآلافrlm;,rlm; ومعتقلين بالآلاف من الشيوعيينrlm;,rlm; والليبراليينrlm;,rlm; والإسلاميين وغير هؤلاء وهؤلاءrlm;.rlm;
ونحن نري مفصولين بالآلاف محاربين في رزقهم من أساتذة الجامعةrlm;,rlm; والقضاةrlm;,rlm; والصحفيينrlm;,rlm; والطلابrlm;,rlm; والمدرسينrlm;,rlm; والعمال وباستطاعة القاريء أن يعود الي المذكرات التي سجل فيها بعض هؤلاء المناضلين ماتحملوه من عذاب لايمكن وصفهrlm;,rlm; تخصص في إنزاله بهم جلادون أنذال آن الأوان لمحاسبتهم سواء أكانوا أحياء مازالوا أم كانوا موتيrlm;..rlm; من هذه المذكرات عندما جلدوني في المعتقل شهادة عن الواقع السياسي والثقافي لإبراهيم عبد الحليمrlm;,rlm; و معتقل كل العصور لفوزي حبشيrlm;,rlm; ومن ذكريات معتقل سياسي لصليب إبراهيمrlm;,rlm; وهديل اليمام وراء القضبان إعداد سمير عبد الباقي وغيرها كثيرrlm;.rlm; فطوال العقود الستة الماضيةrlm;,rlm; وقبلها أيضاrlm;,rlm; كانت السجون والمعتقلات المصرية ومازالت عامرة بالأحرار المصريين طلاب الحريةrlm;.rlm; وأولئك هم آباء ثورة يناير الذين ظلوا في أحلك الظروف يرفعون أعلامهمrlm;,rlm; ويسطرون بدمائهم ملاحم النضال في سبيل الحرية والكرامة والعدلrlm;.rlm;
ونحن نعرف أن ضباط الانقلاب شنقوا زعماء العمال الذين تظاهروا في كفر الدوارrlm;.rlm; وعذبوا حتي الموت أستاذ اللغة الإنجليزية شهدي عطية الشافعيrlm;,rlm; والطبيب فريد حدادrlm;.rlm; ونعرف ماتعرض له رجال القانون الذين وقفوا الي جانب الديموقراطية فإضطهدتهم السلطة ونكلت بهمrlm;,rlm; مذبحة القضاة في ستينيات القرن الماضيrlm;.rlm; وإقتحام مجلس الدولة بالمرتزقة والبلطجية وضرب السنهوري في الخمسينياتrlm;,rlm; واعتقال عبد المنعم الشرقاوي شقيق الشاعر عبد الرحمن الشرقاوي وتعذيبه حتي أشرف علي الهلاكrlm;,rlm; وعزل مصطفي القللي أستاذ القانون من الجامعة لأنه دافع عن تلميذه عبد المنعم الشرقاويrlm;,rlm; وحرمان عبد الحميد بدوي نائب رئيس محكمة لاهاي الدولية من الحصول علي جائزة الدولة التقديرية التي رشح لها عدة مرات ولم يحصل عليهاrlm;.rlm;
والذي تعرض له السياسيون والنقابيون والقانونيون تعرض له الصحفيون الذين فرضت عليهم الرقابة من خارج الصحف التي يعملون بها تارة ومن داخلها تارة أخريrlm;,rlm; ومنعوا من الكتابةrlm;,rlm; واعتقلوا ونقلوا الي مصلحة الاستعلاماتrlm;,rlm; وأحيلوا الي التقاعد كما حدث مع احسان عبد القدوسrlm;,rlm; وفكري أباظةrlm;,rlm; وأبو الخير نجيبrlm;,rlm; وأحمد بهاء الدينrlm;,rlm; ومع غيرهم من الكتاب والشعراء والفنانين الذين لم يكفوا عن التنديد بالطغيانrlm;,rlm; والدفاع عن الديموقراطية وعن العقل وحقوق الإنسانrlm;,rlm; ولو رجعنا لأعمال توفيق الحكيمrlm;,rlm; ونجيب محفوظrlm;,rlm; ويوسف إدريسrlm;,rlm; وعبد الرحمن الشرقاويrlm;,rlm; وألفريد فرجrlm;,rlm; وصنع الله إبراهيمrlm;,rlm; وميخائيل رومانrlm;,rlm; وصلاح عبد الصبورrlm;,rlm; وأمل دنقلrlm;,rlm; وصلاح جاهينrlm;,rlm; وفؤاد حدادrlm;,rlm; وكمال عبدالحليمrlm;,rlm; وأحمد فؤاد نجمrlm;,rlm; والشيخ إمامrlm;,rlm; ويوسف شاهينrlm;,rlm; وغيرهم فسوف نري كيف فضح المثقفون المصريون الطغيانrlm;,rlm; وكيف قاوموهrlm;,rlm; وكيف تنبأوا بسقوطهrlm;.rlm;
توفيق الحكيم في مسرحيته السلطان الحائر وبطلها أحد سلاطين المماليك الذين حكمونا ثلاثة قرون متواصلةrlm;,rlm; يحدثنا عن اغتصاب السلطة وفقدانها الشرعية وضرورة عودتها إلي الأمة التي هي مصدر السلطاتrlm;.rlm; فالسلطان في المسرحية عبد مملوكrlm;,rlm; وإذن فليس من حقه أن يحكمrlm;,rlm; لأن الذي لايملك أمر نفسه لايملك أمر غيرهrlm;.rlm; ولكي يكون له الحق في أن يحكم المصريين لابد أن يباع في سوق المدينة ثم يعتقه الذي اشتراه ليصبح حكمه شرعياrlm;.rlm;
والرمز واضحrlm;.rlm; فالحاكم ـ وكان في ذلك الوقت جمال عبد الناصر ـ الذي وصل الي السلطة عن طريق الانقلاب العسكري يفتقر الي الشرعية التي لن تتحقق له إلا بأن يخضع للدستور ويأتي عن طريق الديموقراطيةrlm;!rlm;
والقضية التي شغلت توفيق الحكيم في السلطان الحائر هي التي شغلت يوسف إدريس في الفرافير وهي التي شغلت ألفريد فرج في حلاق بغداد وهي منديل الأمانrlm;,rlm; أو الدستورrlm;,rlm; أو الديموقراطيةrlm;.rlm;
وإذا كان هؤلاء الثلاثة قد طالبوا عبد الناصر بالديموقراطية لأنهم كانوا لايزالون يثقون في وعودهrlm;,rlm; فقد ظهر لصلاح عبد الصبور أن الطاغية لايمكن أن يقف إلي جانب الحريةrlm;,rlm; بل هو لا يكتفي بأن يغتصب حقوق الناسrlm;,rlm; وإنما يتجاوزها فيغتصب حقوق الله ويتأله كما فعل عامل التذاكر في الكوميديا السوداء التي كتبها صلاح عبد الصبور في آخر الستينيات بعنوان مسافر ليلrlm;:rlm;
قلناrlm;:rlm; ماذا حدث لنا؟
قالواrlm;:rlm; أحدهمو قد قتل الله هنا
ولهذا فهو يخاصمنا
وبحثناrlm;.rlm; راجعنا كل ملف
سجلنا كل مكالمة تليفونية
صورنا كل خطاب
أمسكنا بالآلاف
عذبنا عشرين لحد الموت
وثلاثين لحد العاهة
وثمانين الي حد الإغماء
لكن لاجدويrlm;!rlm;
هكذا فضح المثقفون المصريون نظام يوليو وأدانوه وحرضوا المصريين عليه وتنبأوا بالثورة التي لم تقض عليه في مصر وحدهاrlm;,rlm; بل قضت عليه في مصر وفي غيرها من البلاد العربية التي ابتليت بأمثال القذافيrlm;,rlm; وبن عليrlm;,rlm; وصدام حسينrlm;,rlm; وسواهم ممن قلدوا عبد الناصر واعتبروا أنفسهم خلفاء لهrlm;.rlm; فإذا كان هذا النظام قد نجح في خداع المثقفين المصريين بعض الوقتrlm;,rlm; فقد خدعهم بمبادئهم وأحلامهم التي إدعي أنه يؤمن بها ويعمل لتحقيقها حتي وقعت الهزيمة وانكشفت الخديعة وراجع المخدوعون أنفسهم وصححوا ماوقعوا فيه من أخطاءrlm;,rlm; كما فعل توفيق الحكيم في كتابه عودة الوعي ولاشك أن للثورة آباء آخرين لايتسع المجال للحديث عنهمrlm;.rlm;