خليل علي حيدر

اذا نجحت الحركة المصرية هذه المرة فينبغي ان تكون مصرية خالصة ولا تثقل نفسها بهموم العالم العربي وقضاياه الا في اضيق الحدود.
المصريون لم يثوروا في 25 يناير ليحرروا فلسطين، ولا ليقودوا نهضة العرب، ولا ليعيدوا الخلافة، أو يقيموا النظام الاسلامي، فمثل هذه الشعارات افسدت بوصلة ثورة يوليو 1952 وقادت الى كارثة يونيو 1967 وجلبت على مصر الاستبداد السياسي والخراب الاقتصادي والتخلف الاجتماعي.
مصر للمصريين، وحركتها لانقاذ المجتمع المصري من التسلط والتخلف والامية والبطالة والفقر، على قادة مصر القادمين ان يعطوا اولوية مطلقة لمصالح الشعب المصري وتحقيق التقدم والرفاه له، والارتقاء بمصر الى مصاف البلدان المتقدمة الثرية.
عليهم الدفاع المستميت عن استمرار السلام في المنطقة، واستقرار العلاقات الاقتصادية مع البلدان المتقدمة والمؤسسات المالية الدولية، والحرص على ازدهار الروابط مع اوروبا والولايات المتحدة وبلدان العالم الديموقراطية المزدهرة في آسيا والانفتاح على تجاربها.
لقد لعبت مصر ستين عاما دور laquo;جان داركraquo; العرب، ووضعت على هامتها سنين طويلة تاج الشوك، وحملت على ظهرها ما اثقل كاهلها واغرقها في نهاية الامر في مشاكل سياسية وتنموية انحدرت بالمستوى المعيشي للشعب، ودفعت بها الى مؤخرة الركب.
مصادر النهوض والرقي والتقدم والثراء في مصر لا حصر لها، وينبغي لكل مصري ان يتذكر ويدرك ان دولا متقدمة مرفهة كاليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا وغيرها لا تملك نفط دول الخليج، ولا مناجم اوروبا والولايات المتحدة، ولكنها قفزت بهذا الشكل المذهل اعتمادا على عقول وسواعد شعوبها، فأصبح بعضها اغنى من كل دول العالم واكثرها مساهمة في استقرار الاقتصاد الدولي.
امام مصر، ان نجحت حركتها الجديدة، مهام اقتصادية واجتماعية وقضايا تنموية وسكانية شائكة، ثمة حاجة ماسة الى توسيع البنية التحتية في الصناعة والزراعة والتجارة والاستثمار، ثمة مؤسسة بيروقراطية غارقة بالمشاكل الادارية والفساد وضعف الانتاجية، وهناك حاجة واضحة الى المدارس والمستشفيات والطرق وغير ذلك، وهذا يعني ان اولوية مصر الكبرى ينبغي ألا تكون الاصغاء للعالم العربي والتيارات القومية والاسلامية، المدغدغة للاحلام السياسية والعظمة الفارغة والمغريات الاعلامية، بل الحرص على النهوض بمؤسسات مصر ومصانعها ومزارعها وشعبها قبل أي مهمة اخرى.
لا يعني هذا كله بالطبع ان تدير مصر ظهرها للعالم العربي والصراعات الاقليمية والمشاكل الخارجية، ولكن على كل دولة ان تنهض بنفسها وان تحل مشاكلها وان تجابه مسؤولياتها. واذا نجحت بلدان العالم العربي في هذا المسعى، وحققت مستويات جيدة من التقدم، فسينتقل هذا العالم الى واقع جديد يمكن معه الحديث عن مهام المرحلة المقبلة.. أو اية مهام اخرى! ان الغذاء في مصر قد يكون مشكلة، والماء مشكلة، والدواء مشكلة، وكذا التعليم والاسكان والزواج!. دعوا الزعامة العربية هذه المرة لغيركم، أو لتكن عملا جماعيا معروف الحدود، واضح المسؤوليات.
ان القنوات الفضائية الدينية تحاول ان تجر الحركة المصرية الى مسار يخدم اهداف الاسلام السياسي، والمحطات الاخرى تحاول ان تجعل مصر مرة ثانية على رأس قوى laquo;المقاومةraquo; وlaquo;الممانعةraquo;، وlaquo;النضالraquo; وlaquo;الجهادraquo;، وكل حركة مفلسة أو اعلامي تعس أو محطة مغرضة تحاول ان تجر مصر وثورتها الى ما يخدم اهدافها.
فحذار يا مصر من ان تلدغي من الجحر مرتين!