القاهرة


كثيرا ما كان منصب وزير الثقافة في مصر جاذباً يتهافت عليه كثر، وكانوا مستعدين لتحمّل مرارات الانعزال والهجر وانتقادات المثقّفين، في مقابل نيل حظوظهم من طبق عسل السلطة حتى لو غرقوا فيه.

اختلف المشهد بعد ثورة يناير فأصبح الكرسي طارداً ومنفراً، وحتى من يجد في نفسه نازع القبول يقابل بهجوم كاسح وعنيف من المثقفين، هذا ما حدث مع جابر عصفور ومحمد الصاوي صاحب ساقية الصاوي ومديرها، وهي إحدى أشهر المؤسسات الثقافية المستقلة في مصر.

قوبل عصفور بانتقادات لاذعة من مثقفين مصريين وعرب بعد قبوله المنصب لأيام معدودة، إلا أنه رفضه بعد ذلك واعترف بأنه تسرّع في الموافقة لاكتشافه أن الحكومة الجديدة ليست انتقالية، بل حكومة النظام القديم.

بعد رفض عصفور أُعلن عن اسم فاروق جويدة، إلا أنه نفى ذلك، ثم أُعلن اسم محمد الصاوي ووصف الغيطاني اختيار محمد الصاوي وزيراً للثقافة بالكارثي، وقال في تصريحات صحافية إنه يمثل إهانة للمثقفين، مضيفاً أن هذا الاختيار ينفي نية الحكومة عدم اختيار رجال الأعمال لمناصب الوزراء، ويعيدنا إلى سياسة اختيار الوزراء القديمة. وقال الغيطاني: laquo;مصر بحاجة إلى وجه ثقافي مشرق في الفترة المقبلة، يكون حضوره الثقافي معروفاً للعالم العربي كله، لأن حضور مصر في الفترة المقبلة سيكون ثقافياً.

على النقيض من ذلك، قال سلماوي إن اختيار الصاوي وزيراً للثقافة قرار صائب، مؤكداً على أن الصاوي لديه مشروع ثقافي ناجح، وهو ساقية الصاوي التي نشأت في ظروف صعبة، لكنها نجحت في أن تكون مركز إشعاع ثقافياً مهماً للشباب.

بين انتقاد الغيطاني وترحيب سلماوي، تنوّعت أسباب الأدباء والمثقفين لرفض الكرسي بين الخوف من التأذّي وحصد الخيبة وتجرّع السم دون العسل، وبين الخوف من عقاب التاريخ للمشاركة في تجميل وجه نظام سابق يحاول العودة والقفز على جثث الشهداء، فيما طالب البعض بإلغاء وزارة الثقافة وتحويلها إلى هيئة على غرار إلغاء وزارة الإعلام، ليرفض آخرون إلغاءها، ويؤكدوا تطهيرها من العناصر الفاسدة وتطوير عملها.

انتقد الناقد الأدبي الدكتور مدحت الجيار طريقة اختيار وزير الثقافة في ظل غياب أي معايير للاختيار، laquo;فلا تزال الحكومة الحالية تابعة للنظام السابق ومن المفترض على أي حكومة جديدة أن تتشاور مع المثقفين لاختيار من يمثلهم. وقال: laquo;منصب الوزير الآن لا يغري أحداً بقبوله، لأنه يفتقد الى أي أسس أو معايير، وهو مجرد استمرار لمسلسل زواج رأس المال بالسلطة. نحن بحاجة إلى إجراء عمليات تطوير كبرى داخل أروقة الوزارة، إذ أصبحت مجرد وزارة لا دور لها، بلجانها البيروقراطية ومؤسساتها التي تعاني الفشل والترهل. وأعتقد أننا لسنا بحاجة إلى وزير، بل إلى رؤية جديدة لإدارة العمل الثقافيraquo;.

وفيما رأى الشاعر عبد المنعم رمضان في إلغاء وزارة الثقافة حلاً مثالياً، قال الشاعر رفعت سلام إن اختيار وزير الآن سيُحسب على النظام السابق وسيقال إن كل همه الحفاظ على الكرسي، laquo;لكني أتمنى اختيار شخص جديد يدرس ما قام به فاروق حسني دراسة واعية، ويرصد السلبيات كي يتمكن من تفاديها، ويدقق في اختيار مساعديه والمعاونين له، لأن مشكلة حسني كانت في هؤلاء المساعدينrlm;. كذلكrlm; عليه أن يجعل جائزة الدولة في القمة،rlm; وأن يدقق جيداً في اختيار رؤساء القطاعات المختلفةrlm;، ويكون من جيل الشباب كي يستطيع فتح آفاق جديدة في الوزارةraquo;rlm;.

بالنسبة إلى إلغاء وزارة الثقافة، شهد الوسط الثقافي ردود أفعال واسعة. فقال الأديب إبراهيم عبد المجيد إنه أول من دعا إلى هذا الاقتراح منذ بداية ثورة 25 يناير في مقالات كثيرة كتبها وفي حوارات أجراها معه بعض القنوات الفضائية.

وأضاف عبد المجيد أنه انسحب من اللجنة العليا للمجلس الأعلى للثقافة، مطالباً جميع أعضائها بالانسحاب تدعيماً لاقتراح توزيع قطاعات الوزارة على بقية المؤسسات الحكومية والوزارات.