سعد محيو

الغائب - الحاضر عن كل ما يجري من انقلابات زلزالية في الشرق الأوسط العربي - الإسلامي، هو ldquo;إسرائيلrdquo; .

وهذا الغائب الذي كان حاضراً، أثبت حضوره بشكل متناقض مثير للدهشة .

ففي الأيام الأولى لثورة مصر صدح صوت بنيامين نتنياهو عالياً، مطالباً الولايات المتحدة بالتدخل لإنقاذ النظام، ومُحذّراً من أن ldquo;الزلزال الذي يضرب المنطقة العربية هذه الأيام سيؤدي إلى ثورات دينية على النمط الإيرانيrdquo; . هذا في حين أن وزير حربه نفى احتمال نشوب ثورات متلحفة برداء رجال الدين .

وفي الأيام الأولى أيضاً، كان اليميني المتطرف ناتان شارانسكي يدعو ldquo;الإسرائيليينrdquo; إلى محض الديمقراطية العربية الناشئة إيمانهم، فيما كان اليميني المتطرف الآخر موشي أرينز يقول إن تل أبيب ldquo;لا تستطيع صنع السلام سوى مع الدكتاتوريين العربrdquo; .

لماذا هذا التضارب في المواقف ldquo;الإسرائيليةrdquo;؟

سنأتي إلى هذا السؤال بعد قليل . قبل ذلك، إشارة إلى أن هذا التضارب في الآراء كان يخفي في الواقع موقفاً سياسياً واستراتيجياً ldquo;إسرائيلياًrdquo; موحّداً، قوامه مساعدة الأنظمة السلطوية العربية على البقاء . وهكذا، تحرّك نتنياهو منذ اليوم الأول للثورة المصرية في 25 يناير/كانون الثاني للضغط على إدارة أوباما في اتجاه واحد: السماح لنظام الرئيس السابق حسني مبارك بتصفية الانتفاضة بالقوة العارية، والضغط على الجيش المصري للسماح بتنفيذ هذه المجزرة . كما كانت تواترت أنباء عن أن تل أبيب شحنت في أواخر يناير إلى القاهرة أطناناً من المساعدات العسكرية إلى قوات الشرطة المصرية .

وحين فشلت كل هذه الجهود، بفعل صمود الثورة المصرية واستعدادها لتقديم التضحيات لتحقيق أهدافها (350 شهيداً و5 آلاف جريح خلال أيام)، انتقلت الحكومة ldquo;الإسرائيليةrdquo; إلى شنّ الحملات الإعلامية والسياسية في داخل الولايات المتحدة، التي تتهم إدارة أوباما ب ldquo;التخلي عن حلفائها التاريخيين في الشرق الأوسطrdquo;، وبتسهيل ldquo;الانقضاض الوشيك للإخوان المسلمين على السلطة في مصرrdquo;، على غرار ما حدث في إيران العام 1979 . وتقاطع هذا الموقف مع مواقف بعض الدول العربية، التي طالبت واشنطن هي الأخرى بحماية النظام المصري، ملوّحة بالحلول مكانها في دفع قيمة المساعدات العسكرية للقوات المسلحة المصرية التي تبلغ 1،5 مليار دولار سنوياً .

هذه التفاعلات ldquo;الإسرائيليةrdquo; مع ثورات المواطنة الديمقراطية في المنطقة العربية، بدت عنيفة وهستيرية وفق كل المقاييس . لكنها في الحقيقة كانت واقعية .

وهنا، تعبير ldquo;الزلزالrdquo; الذي استخدمه نتنياهو، كان دقيقاً، إذ إنه يتعلق مباشرة بمستقبل موقع ldquo;إسرائيلrdquo; العسكري - الاستراتيجي والثقافي - الإيديولوجي في الشرق الأوسط .