خالد السليمان


رحل حسني مبارك، ولم تضرب الفوضى أطنابها في أرجاء مصر، ولم يقفز المتطرفون الإسلاميون إلى السلطة كما حذر، أما الحرب الأهلية التي يهول منها معمر القذافي لو ثار الشعب ضد نظامه، فإن ما يهدد بها هو بقاؤه لا رحيله!!
لقد أثبتت الأحداث أن بعض الزعماء وحدهم هم الذي يتخيلون أن شعوبهم لا يمكن أن تعيش بدونهم، ويتوهمون أن الحياة الآمنة المستقرة لا تستقيم إلا بوجودهم!!
لقد خرج حسني مبارك من الحكم، فلم تتوقف ساعة المحروسة، وإنما استمرت الشمس تشرق في سمائها في مواعيدها المعتادة، ولم تختنق مصر، وإنما تنفس شعبها، ولم تتوقف عجلة الحياة في أنحائها، بل مضت كما عهدها أبناؤها، فرزقهم لم يكن بيد الزعيم، إنها طبيعة الحياة الماضية بلا توقف التي يتوهم الزعماء المفرطون في تقدير أهمية وجودهم أنها لا تستقيم إلا بهم!!
ورغم أن التاريخ يعطي الكثير من الدروس والعبر لمن أراد أن يتمعن في تجارب الشعوب والأمم، إلا أن تجربة الحكم عندما تتاح للمستبدين والطغاة تثبت أن الحاكم المستبد لا يعزل نفسه عن شعبه وواقع مجتمعه فحسب، بل إنه يعزل نفسه عن التاريخ، ويظن في لحظة من لحظات العظمة أن التاريخ لم يبدأ كتابة صفحاته إلا عندما تولى زمام سلطته!!
إنه الغرور الذي قاد إلى الهاوية كل حاكم مستبد أدار ظهره لشعبه، والجهل الذي قاد إلى المجهول كل طاغية ظن أن الشعب خلق ليحكم، وكأنه انزل عليه من السماء، إنه الاستيقاظ المتأخر على منبه ساعة توقف زمنها عند لحظة الاستبداد بالسلطة!!