فاتح عبدالسلام

مرّت تحت صمت مصري كثيف وغريب عملية هروب مسؤول خلية حزب اللّه اللبناني من سجنه في القاهرة وعودته الي جنوب لبنان واستقباله استقبال الأبطال في احتفال كان أكبر صفعة توجه الي المخابرات المصرية ربّما في عقد أو عقدين لا سيما إذا استذكرنا الضجة المصرية حول محاكمة خلية حزب اللّه. وليس المجال هنا لخوض كيف تمكن عضو حزب الله من اجتباز الحدود المصرية وكيف عرف دروب الهروب وما مدي امكانية وجود خرق استخباري هائل ينخر ذلك الجهاز المصري الذي لم يعرف عنه شيء في السنوات الأخيرة اكثر ممّا ينشره الاعلام المصري والاسرائيلي عن السفرات المكوكية لرئيسه عمر سليمان الي تل أبيب وقضية المصالحة بين حماس وفتح التي باتت تبحث عن حل فلسطيني وليس مصرياً بعد زوال حسني مبارك. ولعل ذلك كله أثار لاحقاً سؤال ارتباط المؤسسات الأمنية بالنظام السياسي كجهة تابعة وليست جهة مؤسساتية تقوم علي أمن البلاد الذي يحتاجها في أي نظام.
ولأنّ مباحث أمن الدولة فضلاً عن الأمن المركزي هي في الواجهة المباشرة مع المصريين فقد وجدوا أنّ بقاءها علي حالها يعني ان النظام السابق لا يزال يعمل في نفس آلياته وربّما أهدافه وشخوصه. وهكذا وجدنا عمليات حرق المقرات الأمنية في القاهرة والمدن المصرية بعد ايام عدة من نجاح ثورة 25 يناير وإزالة مبارك. اذن ماذا يحرق المصريون اليوم؟ هل يحرقون جهازاً أمنياً لا يحتاجون إلي (أمنه) ويرون فيه أداة للقمع أم انهم يخربون بيوتهم بأيديهم حيث يفتقد المجتمع الي منظومة أمنية تدير شؤونه؟. وهل وصلت الدولة المصرية قبل أن يكون دستور جديد في حالة من النضج السياسي الذي لا ينسجم معه وجود جهاز يختص بالأحزاب السياسية.
في تونس المشكلة القائمة مماثلة لما موجود في مصر، وقد أنجز رئيس الوزراء التونسي المكلف المهمة بقرار إلغاء مباحث أمن الدولة من وزارة الداخلية. لكن في مصر هناك حالة اختلاف في وجهات النظر حول عملية الإلغاء أو الاصلاح وإعادة الهيكلة في مرحلة أصبح التسيّب الأمني عنواناً لها.
السؤال هو هل يبقي البلد يحتاج الي quot;مباحث أمن دولةquot; بصيغة جديدة؟ إذا كان الجواب بنعم فإن الوزارات الجديدة في مصر وتونس تكون بطيئة في اجراءاتها الآن لإعادة الطمأنينة الي الناس عبر ابلاغهم رسالة ان المباحث أصبحت جهازاً لحماية الناس وليس لقمعهم والتجسس علي خصوصياتهم؟