محمد جابر الأنصاري

احتفلت الكويت مؤخراً بعدد من أعيادها ومناسباتها التاريخية، وجرى عرض عسكري ضخم بحضور أميرها وضيوفه وأغلبهم ممن شاركوا في معركة تحريرها .

وربما بدرت هذه الأيام من بعض مثقفي الكويت وسياسييها وكتّابها ملاحظات آنية تفصيلية، لكن مجمل الصورة العامة عن الكويت في الخليج والجزيرة العربية والوطن العربي تقول شيئاً آخر . فقد كانت الكويت إحدى أبرز مراكز التطوير والتحديث والتقدم في المنطقة . وكانت هي، والبحرين، فرسي رهان في الأخذ بأسباب ذلك منذ عشرينيات القرن المنصرم، فإنْ أُنشئت مدرسة نظامية في البحرين، عملت الكويت على إنشاء مدرسة نظامية بها، وكان البلدان من أول بلدان المنطقة التي أخذت بالنظام البلدي الحديث وبالتنظيم الحكومي . وإذا عدنا للتاريخ السياسي في كل منهما، نجد أن وثيقة 1921 في الكويت قد طرحت البذور الأولى للدستور، وفي 1923 نصادف مطالب وطنية سياسية في البحرين بإنشاء مجلس تشريعي وافق عليه حاكم البلاد في ذلك الوقت الشيخ عيسى بن علي آل خليفة ووقف ضده المعتمد البريطاني . وكانت سياسة الوجود الأجنبي في البلدين الحيلولة دون أي تطور ديمقراطي وأي تقارب بين الحاكم وشعبه .

وترتبط العائلتان المالكتان في البلدين برباط القربى، وكان آل خليفة في أثناء إقامتهم بالكويت يأكلون مع آل صباح في قدر واحدة . وقد عبّر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة عن ذلك في تصريحه الصحفي عندما ذهب إلى الكويت لحضور احتفالاتها: ldquo;وكما تقاسم أجدادنا الأرزاق، فإننا نتقاسم وإياكم اليوم الخندق الواحدrdquo; .

واكتشف النفط في البحرين منذ عام ،1932 وكانت أول بلد في الجانب العربي من الخليج يُكتشف فيه النفط . وقد ساعد ذلك على التخفيف من الانهيار الاقتصادي للؤلؤ الطبيعي بسبب اختراع اليابان للؤلؤ الصناعي ودخولها سوق المنافسة بأسعار أرخص . وأصاب ذلك الكويت كما أصاب البحرين حيث تأثرت الفئتان التجاريتان بهما، بهذا الحدث، وهما المحركتان للمشهد السياسي بسبب نفوذهما الاقتصادي وقربهما من العائلتين المالكتين في البلدين .

وقد شجع الازدهار الاقتصادي النسبي الذي جلبه اكتشاف النفط، باكراً في البحرين، والسياسة المنفتحة لحاكمها الشيخ حمد بن عيسى بن علي آل خليفة، على انتقال بعض الشخصيات الكويتية إلى البحرين وكان من أبرزها المؤرخ الكويتي المعروف عبدالعزيز الرشيد الذي صار يصدر مجلته الرائدة ldquo;الكويتrdquo; في البحرين . وقد نشأت بينه وبين رجال النهضة في البحرين صلات فكرية، كان لها أثر في دفع حركة التقدم في البلدين .

يقول الأديب البحريني عبدالله الزايد مخاطباً صديقه عبدالعزيز الرشيد شعراً:

إن أدوار الورى دائرةٌ

في ارتقاءٍ، رغم قطب أو ولي

وهذا تأكيد بينهما لاتجاه التقدم والارتقاء رغم مقاومة المحافظين .

كما حل بالبحرين الشاعر الكويتي المبدع خالد الفرج، واحتفل بافتتاح أول مدرسة نظامية بها، وهي ldquo;مدرسة الهداية الخليفيةrdquo; التي أنشئت في مدينة المحرق، العاصمة التاريخية للبحرين .

وحرص حاكما البلدين في حينه، وهما مبارك الصباح، وحمد الخليفة، على القيام بزيارتين تاريخيتين إلى بريطانيا للاطلاع على مظاهر تقدمها، فقد كانت بريطانيا عندئذٍ الدولة الرائدة تقدماً وتحديثاً في العالم كله، وذلك بين سنتي 1935 1936 .

وكانت الزيارات المتبادلة بين حكام البحرين والكويت من الظواهر اللافتة، حتى في عهد الحماية، كما حضر عدد من أبناء الكويت للدراسة في مدارس البحرين، وأصبحوا في ما بعد خير رسل لبلدهم في البلد الذي درسوا فيه .

وظلَّ البلدان على تفاعل دائم بينهما حتى عام ،1975 حيث وقع افتراق مؤقت بينهما، بشأن التجربة السياسية في كلٍ منهما .

أعلن أمير دولة الكويت الاستقلال عام 1961 بإنهاء اتفاقية الحماية، وانطلاقاً من سوابق دستورية سابقة، كدستور 1938 الذي لم يستمر طويلاً، صدّق الأمير عبدالله السالم على دستور الكويت 1962 بعد أن أقره مجلس تأسيسي منتخب، وكان عبدالله السالم رئيساً للمجلس التشريعي عام 1938 . أما في البحرين، فلم يكن الوضع ناضجاً، بعد، للإقدام على مثل تلك الخطوات .

غير أن أسباباً موضوعية أكثر أهمية حددت الفرق بين التجربة السياسية للبلدين:

1) فالبحرين لا تنتج من النفط كإنتاج الكويت الضخم الذي أسهم دخله في تضييق الفجوة بين مكونات المجتمع الكويتي .

2) ثم إن مكونّات ذلك المجتمع كانت أكثر تلاحماً من مكونات المجتمع في البحرين لأسباب بشرية وتاريخية عدة .

ومع هذا، فإن استمرار البحرينيين، رسمياً وشعبياً، في النظر إلى ldquo;توأمهمrdquo; الخليجي كمثال يحتذى، أدى إلى اقتباس التجربة السياسية الكويتية دستوراً، وبرلماناً نيابياً أوحد، عام 1973 بعد الاستقلال . وتمت الاستعانة بالخبراء الدستوريين أنفسهم الذين صاغوا دستور الكويت في صياغة دستور البحرين . ولم تستمر تلك التجربة المقتبسة غير سنتين، حيث تم حل المجلس النيابي عام 1975 . (ومن الجدير بالذكر أن السلطة الكويتية ذاتها، لم تجد مناصاً من حلّ المجلس النيابي في الكويت مراراً) .

وعندما وقع احتلال صدام لدولة الكويت، لم يكن بها برلمان منتخب . ولكن هذا التجاوز السياسي والأخلاقي، دفع الحكم في البحرين، والبحرينيين جميعاً، إلى الوقوف مع الكويت وشعبها وشرعيتها في خندق واحد . وكانت الجبهة البحرينية تتلقى صواريخ صدام، بعد الجبهة السعودية التي مثّلت عمقاً استراتيجياً حيوياً لا غنى عنه لتحرير الكويت .

والواقع أن وقوف دول الخليج، وأكثر الدول العربية كمصر وسوريا، ومعها قوى المجتمع الدولي إلى جانب الحق الكويتي والشرعية الكويتية، مثّل درساً يجب ألا يُنسى . وهو أن أي نظام شرعي في الخليج لن يُسمح، خليجياً وعربياً ودولياً، بالمساس به . نعم، يمكن إصلاحه، أو المطالبة بذلك فحسب . ولكن لا يمكن الذهاب بأكثر من ذلك .

ومنذ ذلك الوقت، فإن التقارب بين الكويت والبحرين، أصبح نموذجاً يحتذى لأي علاقة بين دولتين .

وأي دارس موضوعي لظاهرة النفط في الخليج، يمكن أن يلاحظ أن الكويت أول من أعطى مثلاً على أن ثروة النفط يمكن أن تتحول إلى ثقافة وحضارة، وأنه يمكن لهما (الثقافة والحضارة) أن تشعا على ما حولهما، أو كما قالت مجلة ldquo;العربيrdquo; بحق: ldquo; . . . ومثلما حدث في الكويت، أدى ظهور النفط إلى تسريع معدلات توجهات تلك المجتمعات للحاق بركب التمدن والحضارة الحديثة، والأخذ بأسباب التنمية البشرية، وما ينطبق على الكويت نجده قد أصبح قاعدة في بقية دول الخليج والجزيرة العربية . ولكي نتخلص من قصر رؤية الخليج على كونه نفطاً وشعباً مبذراً وثروة مهدورة، يفترض علينا أن ننظر بإنصاف إلى ما يجري في هذه المجتمعات اليوم، وأن نغوص لتأمل ما يجري فيها من بُنى تحتية للعلوم والثقافة والتعليمrdquo; (د .سليمان العسكري ldquo;العربيrdquo;، فبراير ،2011 ص 12) .

أما آخر ايجابيات ldquo;الفعلrdquo; الكويتي، فكانت الوساطة الناجحة التي قام بها أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد، وهو دبلوماسي عريق، في التقريب بين سلطنة عمان ودولة الإمارات العربية المتحدة، صيانة لوحدة مجلس التعاون الخليجي، بلا ضجيج أو ادعاء .