أحمد الجارالله
دخلت المغرب مرحلة جديدة بالاصلاحات الدستورية الجذرية التي اعلنها, اخيرا, الملك محمد السادس, ما يعني اعادة الدولة الى شبابها لتتناسب مع طموحات الاجيال الجديدة وتتماشى مع حركة العصر عبر ترسيخ الديمقراطية واللامركزية الادارية في الاقاليم كافة في سبيل تسهيل التنمية المستدامة والتي بدأها الملك الشاب منذ توليه زمام السلطة في العام 1999, ليستكملها اليوم بما يمكن اعتباره تسليم السلطة للشعب ما يجعل المملكة اكثر قدرة على النهوض والتطور.
لم يركن محمد السادس طوال 12 عاما من حكمه الى الهدوء, فهو منذ اعتلى العرش يتابع شؤون الولايات المغربية عن كثب من خلال جولاته الدائمة عليها وسعيه الحثيث الى تحديث الاقتصاد وفتح مجالات جديدة للاستثمار, فكان مشروع العشرة ملايين سائح الخطوة الاولى في تعزيز القطاع الاكثر حيوية في المملكة, بالاضافة الى شبكة المواصلات الحديثة وعلى رأسها مشروع القطار السريع, كما اولى الشراكة الاقتصادية مع العالم العربي واوروبا اهمية كبيرة, وخصوصا معquot;مجلس التعاونquot; الخليجي, اضف الى ذلك التسهيلات التي منحت للمستثمرين ما اوجد بيئة اقتصادية مستقرة وقابلة للتطور.
لم يكن الاهتمام بالشأن الاقتصادي الشغل الشاغل الوحيد للملك محمد السادس, فهو عمل على ترسيخ الديمقراطية ضمن القدرات المغربية المتطورة من خلال سلسلة اصلاحات شهدتها المملكة وأدت في نهاية المطاف الى النتيجة التي اعلنها في خطابه الاخير, اي ان الاجراءات هذه لم تكن رد فعل على اي احداث يشهدها العالم العربي, وإنما هي المحصلة الطبيعية لمسيرة قاربت العقد من الزمن.
هذه التعديلات الثورية, التي ادخلت على اجهزة الدولة عبر الدعوة الملكية الى اصلاح دستوري شامل, سيستفيد منها المغرب, لأنها ترسخ دولة الحق والمؤسسات وتوسع مجال الحريات الفردية والجماعية وضمان ممارستها, وتعزز منظومة حقوق الانسان, بكل أبعادها, السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والثقافية, بالاضافة الى الارتقاء بالقضاء الى سلطة مستقلة, كما انها تنهي تعدد الصلاحيات بين عدد من الدوائر والجهات وتزيد من مرونة الاداء الحكومي ليس فقط في ما يتعلق بالجانب السياسي والتمثيل البرلماني والتعددية الحزبية, بل إنها تساعد على خفض الاعتماد على بيروقراطية إدارية جعلت دورة العمل الحكومي تترهل, كما انها تساعد ايضا في حسم ملفات ارقت المغرب لبعض الوقت, لاسيما ارساء دعائم اللامركزية الادارية في كل مناطق المملكة وفي مقدمها اقاليم الصحراء الغربية من اجل توزيع عادل ومنصف للإمكانات بما يتناسب مع الطموحات المغربية الوحدوية ضمن الأطر الوطنية والثوابت المجمع عليها من الشعب كله.
لقد أسس خطاب الملك محمد السادس الاخير لمغرب معاصر وفي الوقت نفسه عبر عن تواصل حقيقي بين الحاكم المدرك لمتطلبات شعبه وبين المحكوم الحريص على المساهمة في ارتقاء الدولة والحصول على مطالبه من دون اي انتكاسات يمكن أن تهدد الدولة ككل, وهذا يحسب للملك الثائر على كل ترسبات الماضي, الذي استطاع ان يوجد السبل الواقعية في بناء الدولة الحديثة ضمن الامكانيات المتوافرة ومن دون أي دفع نحو مغامرات غير محسوبة يمكن ان تهدد مصير الوطن, اي بمعنى آخر استطاع الملك الشاب وطوال عقد من الزمن ليس تجديد شباب المملكة فقط, بل إدراك معنى ان تستثمر الدول في الديمقراطية وتبني مستقبلها بهدوء وعنفوان الشباب.
التعليقات