عصام نعمان

انتصرت ثورتا الشباب الشعبيتان في تونس ومصر، أو كادتا، لأنهما استطاعتا أن تبقيا ثورتين وطنيتين بمعزل عن أي تدخل خارجي . لانتصارهما سببان رئيسان: الأول، لأن تونس ومصر بلدان مندمجان وطنياً ومجتمعياً وثانياً . الثاني، لأن الثورتين في تونس ومصر لديهما قدرات ذاتية مكّنتهما من الاعتماد على نفسيهما واغنتهما عن أي عون، وبالتالي تدخل خارجي .

من المؤسف أن ثورة الشباب الشعبية في ليبيا تحوّلت، ربما بالرغم منها، إلى حربٍ مرشحة لتصبح حرباً أهلية وحرباً معولمة في آن واحد . ذلك لأن مستوى الاندماج في المجتمع الليبي متدنٍ جداً بالمقارنة مع المجتمعين التونسي والمصري، إذ يتصف بوجود قبائل وعشائر منتشرة في بلاد واسعة المساحة ما جعل التواصل بينها أمراً صعباً . إلى ذلك، تفتقر المعارضة الليبية إلى قدرات ذاتية، لاسيما على صعيد السلاح والمال، بالمقارنة مع ما لدى نظام القذافي في هذا المجال، ولاسيما لجهة قدرته على استخدام القوات المسلحة النظامية ضد الثوار الأمر الذي لم يتوفر لنظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك، اذ رفضت قيادتا الجيشين التونسي والمصري أن تضربا الحشود من أبناء الشعب في كلا القطرين .

الثورة في ليبيا آخذة بالتحوّل إلى حرب أهلية معولمة . ذلك أن قسماً من الجمهور في غرب البلاد، ولاسيما في العاصمة طرابلس ومسقط رأس القذافي سرت، يواليان النظام ويخوضان الحرب إلى جانبه . صحيح أن جمهور النظام أقل من جمهور الثورة، لكن مشاركة الجمهورين في الحرب كافية لاعطائها صفة الحرب الأهلية . إلى ذلك، فإن وجود النفط في ليبيا (التي تنتج نحو مليون برميل يومياً) كافٍ بحد ذاته لاستدراج القوى الخارجية إلى معمعة الحرب . فوق ذلك، فإن مئات ملايين الدولارات التي بذرها القذافي في شتى أنحاء القارة السمراء مكّنته من الحصول على لقب ldquo;ملك ملوك إفريقياrdquo; ومعه نفوذ في كثير من بلدانها يساعده على تجنيد مرتزقة للقتال في صفه .

يعارض الثوار، بل يرفضون التدخل الخارجي، وبرهنوا حسيّاً على ذلك باحتجازهم بعثة ldquo;دبلوماسيةrdquo; بريطانية أُنزلت في شرق البلاد على مقربة من آبار النفط، تبيّن لاحقاً انها تضم ديبلوماسياً واحداً وعشرات من رجال الكوماندوس . وقد رفض الثوار محاورة الغزاة ldquo;الديبلوماسيينrdquo; البريطانيين وقاموا بطردهم إلى خارج البلاد .

مجموعة الكوماندوس البريطانية ليست سوى طليعة لمجموعات كوماندوس أخرى تنتمي إلى عدة دول وشركات غربية منتشرة على الاراضي الليبية، ولا سيما قرب حقول النفط، من دون علم أي من الجانبين الليبيين المتحاربين . وتشير معلومات متداولة في أوساط اعلامية وأمنية أوروبية وصهيونية إلى ان حكومة ldquo;اسرائيلrdquo; اتخذت قراراً استراتيجياً بتجنيد مرتزقة أفارقة للقتال إلى جانب نظام القذافي . في هذا السياق، تردد أن رئيس جهاز الاستخبارات الليبي عبد الله السنوسي اجتمع في عاصمة تشاد إنجمينا مع قادة استخبارات ldquo;إسرائيليينrdquo; من أجل عقد صفقة تقوم بموجبها مؤسسة الاستشارات الأمنية ldquo;غلوبال اس تيrdquo; التي تضم مجموعات عسكرية إفريقية بمد نظام القذافي بتشكيلات مدربة على القتال في حروب أهلية في مقابل مبلغ خمسة مليارات دولار .

على الصعيد الدولي، ينشط في اروقة مجلس الأمن نقاش جدي حول مشروع قرار أمريكي فرنسي بريطاني لفرض حظر جوي على ليبيا . ويبدو أن المجلس الوطني الانتقالي للثوار الليبيين لا يمانع في فرض حظر جوي دولي وإن هو يعارض أي شكل آخر من أشكال التدخل الخارجي . ربما لهذا السبب من جهة، ومن جهة أخرى بسبب من رغبة الولايات المتحدة في صدور نداء عربي للتدخل في ليبيا، اتخذ مجلس التعاون الخليجي موقفاً بتحبيذ فرض حظر جوي .

إذ تتجه الحرب في ليبيا نحو العولمة، يتضح أن ثمة عوامل ثلاثة تدفع في هذا الاتجاه . اولها، حرص دول الغرب الاطلسي، وخاصة دول اوروبا، على استمرار تدفق النفط الليبي، وحرصها تالياً على حماية آبار النفط الليبي ومرافئ تصديره . ثانيها، حرص دول الغرب عموماً وrdquo;اسرائيلrdquo; خصوصاً على عدم قيام نظام جديد في ليبيا يكون مناهضاً لها وقريباً من مصر المتجهة إلى تصحيح علاقاتها العربية والاسلامية ولاسيما مع سوريا وتركيا وإيران . ثالثها، حرص دول أوروبا، لاسيما ايطاليا وفرنسا وإسبانيا، على الحؤول دون تدفق المهاجرين، ليبيين وغير ليبيين، مما يزيد مشاكلها الاجتماعية تعقيداً .

هذه التحديات الحالية والمحتملة يجب ان تشكّل للعرب ولجارات ليبيا خصوصاً حوافز لإعادة النظر بمواقفها المتحفظة عن التدخل في حرب ليبيا . ذلك لأنها معنية بكل من التحديات الثلاثة الآنفة الذكر: النفظ ووجهة النظام الليبي الجديد والمهاجرون . هي معنية، بل يجب أن تكون معنية، بالنفط لأنه من الأهمية بمكان أن يكون النظام الليبي الجديد مستقلاً وبمأمن من ضغوط الغرب الاطلسي كي يبقى للعرب وحلفائهم الكلمة العليا في تقرير سياسة منظمة ldquo;اوبكrdquo; . وهي معنية بقيام نظام ليبي جديد لا يكون تابعا للغرب الاطلسي ومهادناً ل ldquo;إسرائيلrdquo; ومعادياً للدول العربية والاسلامية المناهضة للكيان الصهيوني . وهي معنية ايضا بعدم تهجير الليبيين وسائر عرب شمال افريقيا إلى دول اوروبا، كما هي معنية بحسن معاملة هؤلاء المهاجرين في دول أوروبا فلا يعانون من رياح العنصرية التي تهب بقوة في هذه الفترة .

كل هذه العوامل والتحديات يجب أن تدفع دول العرب عموماً ولاسيما مصر وتونس والجزائر والسودان وسوريا، وحتى الدول الاسلامية في مقدمها تركيا وايران، إلى انتهاج سياسة مغايرة تجاه حرب ليبيا قوامها التدخل الايجابي بقصد وقف المذابح، ونقل العاملين العرب وغير العرب الذين تقطعت بهم السبل إلى حيث يرغبون، وتأمين وصول الأغذية والأدوية إلى كل المدن والبلدات والنواحي التي يحاول نظام القذافي محاصرتها وعزلها عن العالم، وتأمين التواصل بين المناطق التي يسيطر عليها الثوار في ليبيا وبينها وبين المناطق التي ما زالت في قبضة النظام وذلك للحؤول دون انقسام البلاد وتقسيمها بفعل مجريات الحرب، والعمل على تسهيل خروج ليبيا من الحرب بإنهاء نظام القذافي على نحوٍ يحفظ وحدة البلاد والشعب .

ذلك كله يبدأ بتنسيق مواقف هذه الدول والاتفاق على مراجعة مجلس الأمن الدولي بمشروع قرار يقضي بإنشاء قوات طوارىء دولية، برية وبحرية وجوية، من جيوش الدول العربية والاسلامية الملتزمة القيام بالمهام السابقة الذكر .

غني عن البيان ان عدم تعريب الحرب ونهوض الدول العربية والاسلامية ذات الصلة إلى المهام الاستراتيجية المطلوبة منها يُعرضها في قابل الايام والسنين إلى كل الشرور التي ستنشأ بالتأكيد عن تدخل دول الغرب الاطلسي، ومن ورائها ldquo;إسرائيلrdquo;، في الوضع الليبي المتفجر .