أحمد الجارالله

الاوامر الملكية التي اصدرها خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبد العزيز امس, ليست وليدة لحظتها, بل هي استكمال لمسيرة تحديث الدولة السعودية التي بدأت منذ خمس سنوات, وشهدت العديد من المشاريع الستراتيجية, وبخاصة سلسلة المدن الاقتصادية, والجامعية, ما ساهم في تعزيز دعم حركة الاقتصاد الوطني, وجاءت سلسلة الاوامر الملكية الشهر الماضي بعد عودة الملك عبدالله من رحلة العلاج لتزيد من ترسيخ الاستقرار الاجتماعي, وتعززت أمس في 21 امرا ملكيا طاولت كل مفاصل الدولة بما يشكل ثورة تنموية شاملة, لتكون السعودية بعد هذه الخطوات التاريخية اكثر حداثة, وركزت على المواطن العادي ورفع مستوى معيشته. (راجع ص18-19)
لغة التخاطب بين الشعب والملك في السعودية مختلفة تماما عن كل لغات الحكم في العديد من الدول, وخصوصا في عهد الملك عبدالله الذي بادل وفاء شعبه بالكثير من الامتنان لأن هذا quot;الشعب صمام الامان ورجال الامن هم اليد الضاربة لكل من تسول له نفسه أن يمس الاستقرارquot; كما قال الملك عبدالله لابنائه وبناته في كلمته امس, واضاف: quot;صفعتم الباطل بالحق, والخيانة بالولاء وصلابة إرادتكم المؤمنةquot;, في اشارة الى أن الشعب لم يكلف دولته عناء الرد على الدعوات الباطلة التي وجهها البعض من خارج المملكة للتظاهر ضد نظام الحكم, فتصدت الناس لهذه الدعوات, لانه وفقا لما قال النائب الثاني لرئيس مجلس الوزراء وزير الداخلية الامير نايف بن عبدالعزيز, قبل ايام,quot; الشعب السعودي لا تنطلي عليه الافتراءات واثبت انه في قمة التلاحم مع قيادتهquot;, وهو ما يعزز الاطمئنان الى ان حركة الاصلاح السعودية الجارية استكمال لخطة ستراتيجية تبنتها القيادة منذ سنوات, وليست رد فعل على ما يحدث في بعض الدول العربية, استنادا الى ما يحلو لبعض المتصيدين القول, فهؤلاء لا يفقهون طبيعة العلاقة بين الحكم والشعب في المملكة, ولا يعرفون ان مؤسسة الحكم هي استمرار وتراكم للتجارب اليومية وليست محطات تقطع مع الماضي لتبني من جديد.
نحو 350 مليار ريال سعودي حصيلة الاوامر الملكية, ما يعني ان الملك عبدالله يعمل بوحي من ان الثروة الوطنية وجدت في الاساس لخدمة الشعب ورفاهيته, فسلسلة المدن الطبية التي اعلن عنها بالاضافة الى استحداث 60 الف وظيفة في القطاعات المختلفة لوزارة الداخلية, والبدء فورا في زيادة نسبة سعودة الوظائف في القطاع الخاص, والثورة الاسكانية ببناء 500 الف وحدة سكنية, ودعم رأس مال صندوق التنمية العقارية بأربعين مليار ريال, وزيادة رقعة الاستثمار في المجال العقاري, وتسهيل حصول المواطنين على قطع الارض السكنية, و تخصيص 16 مليارا لوزارة الصحة, وصرف العلاوات الاجتماعية والترقيات الوظيفية وغيرها من الاوامر الاصلاحية لمساعدة الباحثين عن عمل, وصرف رواتب لطلبة الدراسات الجامعية والعليا ورفع الحد الادنى للراتب في الوظائف الحكومية الى ثلاثة آلاف ريال... كل ذلك يعبر عن مدى استشعار الملك بهموم شعبه, وتجاوبه الدائم مع متطلباته من دون اي مطالبة في الشارع او احتجاج, بل ان الملك عبدالله تخطى طموحات شعبه وتوقعات المراقبين كافة في ما أعلنه من قرارات.
حركة التحديث لم تقتصر على الجانب الاقتصادي والاجتماعي بل طالت ايضا الجانب الفقهي من خلال الامر الملكي بانشاء المجمع الفقهي الذي سيؤدي دورا فاعلا في المجتمع ما يعزز دور هيئة كبار العلماء التي خصها الملك بالاشادة لما ادته من دور في الاونة الاخيرة في مواجهة دعاة الفتنة, وفي المجال نفسه كانquot;مفكرو الامة وكتابها سهاما في نحور اعداء الدين والوطنquot;, وفقا لقول خادم الحرمين, بالاضافة الى هيئة مكافحة الفساد التي ستكون مرتبطة مباشرة بالملك, وقد منحها صلاحيات واسعة تخضع لها كل الوزارات والمؤسسات الرسمية في الدولة ولا يستثنى من عملها احد.
مع شروق شمس اليوم تكون المملكة العربية السعودية دخلت عهدا من الاستثمار مغايرا تماما لكل العهود الماضية, لأن الورشة العمرانية العملاقة التي ستنطلق مع حركة تحديث البنية التحتية وبناء المساكن في مختلف انحاء المملكة ستجعل منها محط انظار العالم لعقود عدة مقبلة, وبالتالي فان التنمية في المملكة تكون مسألة عمل يومي تتنكب القيادة السعودية باشراف ومتابعة مباشرة من الملك عبدالله عناء انجازها وتحديثها, وذلك لا يتحقق الا مع استقرار امني فكان توجيه خادم الحرمين الى ضرورة حفظ الامن والسهر على راحة المواطنين من خلال قوله للقوات المسلحة quot;انتم اليد الضاربة لكل من تسول له نفسه المساس بأمن الوطن واستقرارهquot;.