محمد بن عبداللطيف آل الشيخ

أزمة تشكيل الحكومة في العراق قضية لا تعني العراقيين وحدهم، وإنما يشترك في تبعات مآلاتها وخطورة تفاقمها كل العرب والمسلمين، خصوصاً دول الجوار. خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز أدرك أن تدخله لحلحلة هذه القضية، والعمل على جمع كل فئات العراقيين دون استثناء تحت سقف واحد، والعمل على تضييق شقة الخلاف بين الأطياف العراقية المختلفة، سيذلل كثيراً من العقبات لإخراج العراق من عنق الزجاجة، ويتم تشكيل الحكومة العراقية التي ما إن تتقدم خطوة إلى الأمام، حتى تعود خطوات إلى الوراء وهكذا دواليك. ولا أعتقد أن هناك حكومة تعثرت ولادتها وتعقدت وتداخلت المؤثرات العالمية والإقليمية بالمؤثرات الداخلية مثل هذه الأزمة. تفسير بنود الدستور العراقي لتحديد الكتلة البرلمانية الأحق بتشكيل الحكومة يعتريه كثير من الغموض. الدستور العراقي ينص على أحقية الكتلة النيابية الأكبر عدداً في تشكيل الحكومة، وهو تفسير تقول العراقية إنه يعطيها الحق باعتبارها الكتلة الفائزة الأكبر حسب الانتخابات، بينما يقول تحالف المالكي والائتلاف الوطني إن الدستور يعطيهما الحق باعتبار أن اندماجهما فيما بعد بات يمثل الكتلة البرلمانية الأكبر. هذا الخلاف بقي لشهور يدور ويحور على نفسه؛ فكل فريق متمسك برأيه، ويصر على أن بنود الدستور إلى جانبه.

كان من الواضح أن بقاء هذه الأزمة دون تدخل سيبقيها دونما حل، ربما لسنوات؛ فكل المؤشرات تؤكد أن تشكيل حكومة في ظل هذه المؤثرات والتناقضات أمل يتضاءل مع مرور الزمن، خصوصاً وأن هناك مؤثرات خارجية كثيرة، سواء على المستوى الإقليمي أو العالمي، يجعل هذه القضية وكأنها مستعصية على الحلول؛ أما الخاسر الأول فهو الشعب العراقي، الذي تطحنه الكثير من الأزمات، ولا أحد يتصدى لها بحجة انتظار تشكيل الحكومة.

ولعل الخطاب الذي أطلقه الملك عبدالله، وفيه أعلن عن هذه المبادرة، يختصر البواعث والأهداف التي قامت عليها هذه المبادرة. فقد جاء فيه: (إنه نداء الغيور على أمته، الساعي لعزتها وكبريائها، في عصر تداعت فيه علينا الأزمات فأثقلت كل أمل، وأوهنت كل عزيمة تسعى لاستقرار الأمة العربية والإسلامية. إلا أن الأمل لا يموت، والعزيمة لا تتداعى متى ما توحدت النفوس والقلوب متوكلة على الله جل جلاله.. أقول ذلك من قلب تملأه مشاعر الانتماء لأمتنا وطموحاتها). ويواصل حفظه الله: (من أجل كل ذلك فإني أدعو فخامة الأخ الرئيس جلال طالباني رئيس جمهورية العراق الشقيق، وجميع الأحزاب التي شاركت في الانتخابات، والفعاليات السياسية، إلى وطنكم الثاني المملكة العربية السعودية وفي مدينة الرياض بعد موسم الحج المبارك، وتحت مظلة الجامعة العربية، للسعي إلى حل لكل معضلة تواجه تشكيل الحكومة التي طال الأخذ والرد فيها. ولتتدارسوا، وتتشاوروا، لتقرروا أي طريق نبيل تسلكون، وأي وجهة كريمة تتجهون، فمن يملك زمام القرار جدير به أن يتحلى بالحكمة وضالتها، فالهدم سهلة دروبه، والبناء إرادة صلبة عمادها القوة - بعد الله -. إن الجميع يدرك بأنكم على مفترق طرق تستدعي بالضرورة السعي بكل ما أوتيتم من جهد لتوحيد الصف، والتسامي على الجراح، وإبعاد شبح الخلافات، وإطفاء نار الطائفية البغيضة).

أملنا أن تلقى هذه المبادرة الكريمة من الأطياف السياسية هناك آذاناً صاغية، وأن يدركوا تمام الإدراك أنهم إن لم يغتنموا هذه الفرصة التاريخية فربما قادوا بلادهم وشعوبهم إلى نهاية لا تبقي ولا تذر، وهذا ما لا نتمناه جميعاً.

إلى اللقاء.