عبد الرحمن الراشد

أدهشنا الملك عبد الله بن عبد العزيز، أمس، بمبادرته إلى قمة عراقية دعا إلى عقدها في الرياض يجمع فيها كل القيادات السياسية والحزبية. مفاجأة لأكثر من سبب، أبرزها أن المملكة العربية السعودية كانت ترفض التعاطي مع شأن الحكم العراقي، وتحاشت على مدى سنوات أن تقترب من الجدل العراقي. فجأة أعلنت البارحة أهم خطوة بدعوة كل العراقيين إلى مؤتمر عراقي وبرعاية الجامعة العربية. عمليا هذه أكبر خطوة سياسية بحق العراق في سبع سنوات، فانتقلت الرياض من الابتعاد التام إلى طرح مشروع مصيري لمستقبل العراق.

ومن الطبيعي أن يحاول البعض إفشال المبادرة، ربما اعتقادا بأن هدفها صياغة الرئاسات المقبلة، أو يحاول البعض الآخر إفشالها، لأنه يعتقد أن حظه في الرئاسة ضعيف، ولا يريد مؤتمرا لحسم الوضع المعلق، على اعتبار أن الفراغ الدستوري هو الأفضل. لكن أهمية دخول الملك عبد الله على الخط العراقي يعني أن الأمور في بغداد وصلت إلى مرحلة بالغة الحساسية، وقد تصبح بالغة الخطورة. وحتى لو حقق طرف من القيادات النصاب المطلوب لبلوغ رئاسة الحكومة، فإن ذلك سيظل محل شك عراقي وعربي ينتقص من شرعية الحكم العراقي الجديد. ومهما يكن، وإن اتفقت القوى على شخص بعينه لرئاسة الحكومة، فإن السعودية لا تستطيع أن تلغي أو تفرض اسما أو حزبا، لكن الذي تستطيع أن تفعله هو منح الفائز الشرعية الكاملة، كما حدث تماما في مؤتمر الطائف اللبناني.

رئيس الحكومة المقبل، سواء كان المالكي أو غيره، سيحتاج إلى أن يحكم في مناخ عربي مؤيد بدلا من الرئاسة الماضية التي شابها الكثير من الإشكالات السياسية والشكوك والقطيعة العربية. المؤتمر السعودي لن يقرر من يحكم العراق، بل سيمنح من يرضى به العراقيون الشرعية العربية تحت علم الجامعة العربية. عمليا السعودية تمنح النظام العراقي ما عجز عن الحصول عليه في السابق، الاعتراف الكامل والرعاية السياسية.

ومن الخطأ افتراض أن النتائج محسومة قبل أن يلتقي العراقيون في الرياض ويعلنون خيارهم في الرئاسات الثلاث. ربما يتفق قادة الأحزاب قبل أن يغادروا بغداد إلى مؤتمرهم في الرياض، وبالتالي يصبح دور المؤتمر تتويج الخيار العراقي وتعميده عربيا، والاحتفال بمرحلة جديدة. أما إذا وصلوا إلى الرياض وهم في حالة الاشتباك السياسي، فسيفعلون ما فعل اللبنانيون في الطائف قبل عشرين عاما، حيث تصبح القمة طائفا آخر للنقاش حتى الاتفاق. ولا يمكن مقارنة أزمة لبنان آنذاك بإشكالات العراق اليوم لأنها مختلفة. فالسياسيون العراقيون متفقون تماما على النظام السياسي وإطاره، لكنهم عاجزون عن الاتفاق حول الأنصبة التي تحدد مواقع الحكم.

السعودية لن تقول للعراقيين من يختارون، وهم بالطبع لن يقبلوا بهذا، ولن ترفض السعودية المالكي إن اتفقوا عليه، ولن تفرض عليهم اسما إن عجزوا عن التوصل، ولا تستطيع التدخل في مسار النقاش الذي سيتم كما حدث في الطائف، حوار فقط بين العراقيين، وستكون الجامعة العربية حاضرة كمنظم والسعودية كراع. نحن نعتقد أنها فرصة لجميع الذين يؤيدون السعودية، والذين يختلفون معها.